الدينيّ على أنّ العداء المحتدم في صدور العبشميّين على بني هاشم لا يزيحه أيّ عطف وصلة ، فإنّه لا برّ أوصل من المصاهرة ولا سيّما ببضعة النبوّة ، لكن هل قدّر ذلك زوج أمّ كلثوم؟ أو أنّه اقترف ليلة وفاتها (١) ولم يكترث للانقطاع عن شرف النبوّة ، حتى أهانه رسول العظمة بملإ من الأشهاد ، وحرّم عليه الدخول في قبرها وهو في الظاهر أولى الناس بها بعد أبيها؟
ولعلّ كل صهر أو مواصلة وقع بين بني هاشم والأمويّين كان من هذا الباب ، حاول الهاشميّون وفي مقدّمهم مشرّفهم صلىاللهعليهوآلهوسلم تخفيض نائرة الإحن وتصفية القلوب من الضغائن ، لكن هل حصّلوا على الغاية المتوخّاة؟ أو انكفأوا على حدّ قول القائل :
لقد نفختُ في جُذىً مشبوبةٍ |
|
وقد ضربتُ في حديد باردِ |
ولولا هذه المصاهرة وأمثالها لطالت الألسنة على الهاشميين لسبق المهاجرة والقطيعة بين الفريقين ، وحملوا كلّ ما وقع بينهما على تلكم السوابق ، لكن الفئة الصالحة رُوّاد الإصلاح درأوا عن أنفسهم هاتيك الشُبه بضرائب هذه المواصلات ، وعرّفوا الناس أنّ العقارب لُسّب من ذاتها ، فلا يُجدي معها أيّ لين وزلفة.
ولعلّك هاهنا تجد الميزة بين الصهرين مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، وصاحب سيّدتنا أُم كلثوم ، وتعلم سيرة الإمام مع الصدّيقة الطاهرة حتى قضت نحبها وهي عنه راضية ، كما أنّه فارقها وهو عنها راضٍ ، وغادر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الدنيا وهو راضٍ عنهما.
وانظر إلى آخر يوميهما ؛ هذا يقترف ليلة وفاة أُمّ كلثوم ما لا يرضي الله ورسوله ولا يهمّه فراقها ولا يشغله الهمّ بالمصيبة وانقطاع صهره من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن المقارفة ، وذلك يندب الصدّيقة الطاهرة ويطيل بكاءه عليها وهو يقول : «السلام عليك
__________________
(١) مرّ حديثه في الجزء الثامن : ص ٢٣١ ـ ٢٣٤. (المؤلف)