نفسه ، وصافقه على ذلك بنو هاشم ومن وافقهم من غيرهم من وجوه الأُمّة وأعيان الصحابة ، أوَلم يكن فيهم من يعرف منزلة الصدّيق هذه؟ وما بال عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان يحمل الصدّيقة الطاهرة على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة على خير البشر؟ (١) ولما ذا لم يكن في مقال الدعاة إلى أبي بكر أيضاً يوم السقيفة وبعده ما يومي إلى أنّه خير البشر؟ بل كان رطب ألسنتهم : إنّه السبّاق المسنّ وثاني اثنين إذ هما في الغار (٢) مشفوعاً كلّ ذلك بالإرهاب والترعيد (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) (٣).
هب أنّ الصحابة يوم ذاك ما كانوا يعرفون منزلة الرجل ، فهلاّ نبّههم عليه أمير المؤمنين وأمرهم باتّباع خير الناس وفيهم من كان أطوع له من الظلّ لذيه ، فقمّ بذلك جذوم الفتنة ، واستأصل جذورها ، وكسح الخلاف من بين المسلمين ، فلم يتركها فتنة عمياء تحتدم عليها الإحن ، وتتعاقب المحن؟ حاشا مولانا أمير المؤمنين من كلّ هذه ، لكنّه لم يعرف ما عُزي إليه من حديث خير الناس ولا اعترف بمفاده طرفة عين ، بل كان صلوات الله عليه يرفع عقيرته بما يضادّ هذه المزعمة في صهوات المنابر بين الملأ الدينيّ ، وقد مرّ شطر من تلكم الكلم في هذا الجزء.
نحن هاهنا لسنا في مقام إثبات أنّ عليّا خير البشر بعد صنوه الطاهر صلّى الله عليهما وآلهما. كلاّ ثم كلاّ.
ولسنا في صراط بيان المفاضلة بينه سلام الله عليه وبين خلفاء الانتخاب الدستوري ، حاشا ثم حاشا.
وإنّما يروقنا جدّا أن نمركز لهذا الإنسان الكامل في الملأ الدينيّ مكانة فرد من
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ١ / ١٢ [١ / ١٩]. (المؤلف)
(٢) راجع الجزء السابع : ص ٩١. (المؤلف)
(٣) المؤمنون : ٦٨.