الأمم وحويتم مواريثهم ؛ وقد بلغني أنّكم ذممتم قريشاً ، ونقمتم على الولاة فيها ، ولولا قريش لكنتم أذلّة ، إنّ أئمّتكم لكم جُنّة فلا تَفرّقوا عن جُنّتكم. إنّ أئمّتكم ليصبرون على الجور ويحتملون فيكم العتاب ، والله لَتنتهُنّ أو ليبتلينّكم الله بمن يسومكم الخسف ولا يحمدكم على الصبر ، ثمّ تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعيّة في حياتكم وبعد وفاتكم.
فقال له صعصعة بن صوحان : أمّا قريش فإنّها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهليّة ، وإنّ غيرها من العرب لأكثر منها وأمنع.
فقال معاوية : إنّك لخطيب القوم ولا أرى لك عقلاً ، وقد عرفتكم الآن وعلمت أنّ الذي أغراكم قلّة العقول ، أُعظّم عليكم أمر الإسلام فتذكّروني الجاهليّة ، أخزى الله قوماً عظّموا أمركم ، افقهوا عنّي ولا أظنّكم تفقهون : إنّ قريشاً لم تعزّ في جاهليّة ولا إسلام إلاّ بالله وحده ، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدّها ولكنّهم كانوا أكرمهم أحساباً ، وأمحضهم أنساباً ، وأكملهم مروءة ، ولم يمتنعوا في الجاهليّة والناس تأكل بعضهم بعضا إلاّ بالله ، فبوّأهم حرماً آمناً يُتَخَطَّفُ الناس من حولهم ، هل تعرفون عرباً أو عجماً أو سوداً أو حمراً إلاّ وقد أصابهم الدهر في بلدهم وحرمهم؟ إلاّ ما كان من قريش ، فإنّه لم يُردهم أحد من الناس بكيد إلاّ جعل الله خدّه الأسفل ، حتى أراد الله تعالى أن يستنقذ من أكرمه باتّباع دينه من هوان الدنيا وسوء مردّ الآخرة ، فارتضى لذلك خير خلقه ، ثمّ ارتضى له أصحاباً ، وكان خيارهم قريشاً ، ثمّ بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم فلا يصحّ الأمر إلاّ بهم ، وقد كان الله يحوطهم في الجاهليّة وهم على كفرهم ، أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه؟ أُفّ لك ولأصحابك ، أمّا أنت يا صعصعة فإنّ قريتك شرّ القرى ، أنتنها نبتاً ، وأعمقها وادياً ، وألأمها جيراناً ، وأعرفها بالشرّ ، لم يسكنها شريف قطّ ، ولا وضيع إلاّ شبّ بها ، نُزّاع الأُمم وعبيد فارس ، وأنت شرّ قومك ، أحين أبرزك الإسلام وخلطك بالناس أقبلت تبغي