ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (١). وكان على الخليفة أن يبعث إليه باللائمة بل يعاقبه على ما فرّطفي جنب أولياء الله بتسميته إيّاهم السفهاء وهم قرّاء المصر ، وزعماء الملأ ، ونسّاك القطر ، وفقهاء القارة ، وهم القدوة في التقوى والنسك ، وبهم الأُسوة في الفقه والأخلاق ، ولم يكن عليهم إلاّ عدم التنازل لميول ذلك الغلام الزائف ، وعدم مماشاتهم إيّاه على شهواته ومزاعمه ، وهلاّ استشفّ الخليفة حقيقة ما شجر بينه وبين القوم حتى يحكم فيه بالحقّ ، لكنّه بدل أن يتّخذ تلكم الطريقة المثلى في القضيّة استهواه ذلك الشابّ المترف فمال إليه بكلّه ، ونال من القوم ما نال ، وأوقع بهم ما حبّذه له الحبّ المعمي والمصمّ ، لكن الدين وملأه أنكرا ذلك عليه وحفظه التاريخ ممّا نقم به على عثمان.
كانت لائمة معاوية للقوم مزيجها الملاينة لا عن حلم ، وخشونة لا يستمرّ عليها ، كلّ ذلك لم يكن لنصرة حقّ أو ابتغاء إصلاح ، وإنّما كان يكاشفهم جلباً لمرضاة الخليفة ، ويوادعهم لما كان يدور في خلده من هوى الخلافة غداً ، وكان يعرف القوم بالشدّة والمتبوعيّة ، فما كان يروقه قطع خطّ الرجعة بينه وبينهم متى تسنّى له الحصول على غايته المتوخّاة ، وكانت هذه الخواطر لا تبارحه ، ولا يزال هو يعدّ الدقائق والثواني للتوصّل إليها ، وكان أحبّ الأشياء إليه اكتساح العراقيل دونها ، ولذلك أطلق سراح القوم وتثبّط عن النهضة لنصرة عثمان لمّا استنصره ـ كما سيأتي تفصيله ـ حتى قتل ومعاوية في الخاذلين له.
وأمّا ابن خالد فقد جرى مجرى أبيه في الفظاظة والغلظة ، فلم يعاملهم إلاّ بالرعونة ولم يجاملهم إلاّ بالقسوة ، وكلّ إناء بالذي فيه ينضح.
وهاهنا نوقفك على نُبذ من أحوال من يهمّك الوقوف على حياته الثمينة من أولئك الرجال المنفيّين الأبرار ، حتى تعلم أنّ ما تقوّلوه فيهم وفعلوه بهم في منتأىً
__________________
(١) الحجرات : ٦.