فأنزلهم عبد الرحمن بن خالد الساحل وأجرى عليهم رزقاً.
وروى الواقدي : أنّ عبد الرحمن بن خالد جمعهم بعد أن أنزلهم أيّاماً وفرض لهم طعاماً قال لهم : يا بني الشيطان لا مرحباً بكم ولا أهلاً ، قد رجع الشيطان محسوراً وأنتم بعد في بساط ضلالكم وغيّكم ، جزى الله عبد الرحمن أن لم يؤذكم (١) ، يا معشر من لا أدري أعرب هم أم عجم ، أتراكم تقولون لي ما قلتم لمعاوية؟ أنا ابن خالد بن الوليد ، أنا ابن من عجمته العاجمات ، أنا ابن فاقئ عين الردّة ، والله يا ابن صوحان لأطيرنّ بك طيرة بعيدة المهوى ، إن بلغني أنّ أحداً ممّن معي دقّ أنفك فاقتنعت رأسك. قال : فأقاموا عنده شهراً كلّما ركب أمشاهم معه ويقول لصعصعة : يا بن الخطيئة! إنّ من لم يصلحه الخير أصلحه الشرّ ، ما لك لا تقول كما كنت تقول لسعيد ومعاوية؟ فيقولون : نتوب إلى الله ، أقلنا أقالك الله ، فما زال ذاك دأبه ودأبهم حتى قال : تاب الله عليكم. فكتب إلى عثمان يسترضيه عنهم ويسأله فيهم فردّهم إلى الكوفة (٢).
تاريخ الطبري (٥ / ٨٨ ـ ٩٠) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٥٧ ـ ٦٠) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ١٥٨ ـ ١٦٠) ورأى هذه الصورة أصحّ ما ذكر في القضيّة ، تاريخ ابن خلدون (٢ / ٣٨٧ ـ ٣٨٩) ، تاريخ أبي الفداء (١ / ١٦٨) في حوادث سنة (٣٣).
قال الأميني : كان في عظمة أكثر هؤلاء القوم وصلاحهم المتسالم عليه وتقواهم المعترف بها مرتدع عن أذاهم وإجفالهم عن مستوى عزّهم وموطن إقامتهم وتسييرهم من منفىً إلى منفى ، والإصاخة إلى سعاية ذلك الشابّ المستهتر ، والله سبحانه يقول : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى
__________________
(١) كذا في شرح نهج البلاغة ، وفي الكامل في التاريخ وتاريخ ابن خلدون : خسّر الله عبد الرحمن إن لم يؤدّبكم.
(٢) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٣١٧ حوادث سنة ٣٣ ه ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٦٧ حوادث سنة ٣٣ ه ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٢٩ ـ ١٣٤ خطبة ٣٠ ، تاريخ ابن خلدون : ٢ / ٥٨٩ ـ ٥٩١.