وأنت في صلب رجل مشرك؟ فقال له كعب : إنّ إمارة المؤمنين إنّما كانت لك بما أوجبته الشورى حين عاهدت الله على نفسك في أن تسيرنّ بسيرة نبيّه ، لا تقصّر عنها ، وإن يشاورونا فيك ثانية نقلناها عنك ، يا عثمان إنّ كتاب الله لمن بلغه وقرأه وقد شركناك في قراءته ، ومتى لم يعمل القارئ بما فيه كان حجّة عليه. فقال عثمان : والله ما أظنّك تدري أين ربّك؟ فقال : هو بالمرصاد. فقال مروان : حلمك أغرى مثل هذا بك وجرّأه عليك. فأمر عثمان بكعب فجرّد وضُرب عشرين سوطاً ، وسيّره إلى دباوند (١) ، ويقال : إلى جبل الدخان. فلمّا ورد على سعيد حمله مع بكير بن حمران الأحمري ، فقال الدهقان الذي ورد عليه : لم فُعل بهذا الرجل ما أرى؟ قال بكير : لأنّه شرير ، فقال : إنّ قوماً هذا من شرارهم لخيار.
ثمّ إنّ طلحة والزبير وبّخا عثمان في أمر كعب وغيره ، وقال طلحة : عند غبّ الصدر يحمد عاقبة الورد. فكتب في ردّ كعب رضى الله عنه وحمله إليه ، فلمّا قدم عليه نزع ثوبه وقال : يا كعب اقتص. فعفا رضي الله عنهم أجمعين (٢).
وعدّ الحلبي في السيرة (٣) (٢ / ٨٧) من جملة ما انتقم به على عثمان : أنّه ضرب كعب بن عبدة عشرين سوطاً ونفاه إلى بعض الجبال.
قال الأميني : ألا تعجب في أمر هذا الخليفة؟ إنّ مناوئيه كلّهم في عاصمة الخلافة وبقيّة الأوساط الإسلاميّة خيار البلاد وصلحاء الأُمّة ، كما أنّ من اكتنف به وأغراه بالأبرار هم المتهتّكون في الدين ، المفضوحون بالسمعة الشائنة ، روّاد الشره ،
__________________
(١) بفتح المهملة وتضم ، ويقال : دنباوند ، ودماوند بالميم بدل الموحدة : كورة من كور الريّ [معجم البلدان : ٢ / ٤٣٦]. (المؤلف)
(٢) أنساب البلاذري : ٥ / ٤١ ـ ٤٣ [٦ / ١٥٣ ـ ١٥٥] ، تاريخ الطبري : ٥ / ١٣٧ [٤ / ٤٠١ حوادث سنة ٣٥ ه] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٤٠ ـ ١٤٩ [٣ / ٧٦] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٦٨ [٢ / ١٦٠ خطبة ٣٠] ، الصواعق المحرقة : ص ٦٨ [ص ١١٤] ، واللفظ للبلاذري. (المؤلف)
(٣) السيرة الحلبية : ٢ / ٧٨.