وسماسرة المطامع ، من طُغمة الأمويّين ومن يقتصّ أثرهم ، فلا ترى له سوط عذاب يُرفع إلاّ وكان مصبّه أُولئك الصالحين ، كما أنّك لا تجد جميلاً له يُسدى ولا يداً موفورة إلاّ لأُولئك الساقطين ، فهل بُعث الخليفة ـ وهو رحمة للعالمين ـ نقمةً على المؤمنين؟ أم ما ذا كانت حقيقة الأمر؟ أنا لا أدري لما ذا أسخط الخليفة كتاب القوم فأراد بحامله السوء من حبس وضرب بعد يأسه عن معرفة كاتبيه لو لا أنّ عليّا أمير المؤمنين حال بينه وبين ما يشتهيه ، وهل كان الرجل إلاّ وسيطاً كلّف بالرسالة فأدّاها؟ ولعلّه لم يكن يعلم ما فيها ، وليس في الكتاب إلاّ التذكير بالله ، والتحذير عمّا يوجب تفريق الكلمة وإقلاق السلام ، وإظهار الطاعة بشرط طاعة الله والاستقامة الذي هو مأخوذ في الخليفة قبل كلّ شيء ـ وعليه جرى انتخاب يوم الشورى ـ وإيقافه على مكان سعيد الشابّ الغرّ من السعاية التي خافوا أن تكون وبالاً عليه ، وأخيراً وقع ما خافوا منه وحذّروا الخليفة عنه ، والشهادة لأُولئك المنفيّين بالبراءة ممّا نُبزوا به وأنّهم من أهل الورع والفضل والعفاف ، وأنّ تسييرهم لا يحلّ في دين الله ، ويشوّه سمعة الخليفة.
ولما ذا أغضبه كتاب كعب ، وهو بطبع الحال لدة ما كتبه القوم من النصح الجميل؟ ولما ذا أمر بإشخاصه إلى المدينة وضربه وجازاه على نصحه بجزاء سنمّار؟
فهلاّ انبعث الخليفة إلى التفاهم مع القوم فيما أظهروا أنّهم يتحرّون ما فيه صلاحه وصلاح الأُمّة ، فإمّا أن يُقنعهم بما عنده ، أو يقتنع بما يبدونه ، فيرتفع ذلك الحوار ، وتُدفع عنه المثُلات ، لكنّه أبى إلاّ أن يستمرّ على ما ارتآه وحبّذه له المحتفّون به الذين اتّخذوه قنطرة إلى شهواتهم ، ولذلك لم يتفاهم مع كعب إلاّ بالغلظة فقال له : أأنت تُعلّمني. إلخ. أنا لا أدري موقع هذا الكلام التافه ، هل الكون في صُلب رجل مشرك يحطّ من كرامة الإنسان وقد آمن بالله ورسوله؟ إذن لتسرّب النقص إلى الصحابة الذين نقلوا من أصلاب المشركين وارتكضوا في أرحام المشركات ، وكثير