منهم أشركوا بالله قبل إسلامهم ، لكن الإسلام يجبّ ما قبله ، وهل الأصلاب والأرحام إلاّ أوعية؟
ثمّ السبق إلى قراءة الكتاب العزيز هل هو بمجرّده يرفع من قدر الرجل حتى إذا لم يعمل به كما أجاب به وفصّله كعب؟
ولا أدري ما يريد الخليفة بقوله : والله ما أظنّك تدري أين ربّك. هل هو يريد المكان؟ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيراً ، وأيّ مسلم لا يعرف أنّ ربّه لا يُقلّه حيّز ، فإنّه حريّ بالسقوط ، وما أحسن جواب كعب من قوله : هو بالمرصاد ، فإن كان يريد مثل ما قاله كعب فلما ذا احتمل أنّ مثل كعب الموصوف بالفضيلة والتقوى لا يعرف ذلك؟ وهل يريد عندئذٍ إلاّ إهانة الرجل وهتكه؟
ثمّ ما ذا كان في هذه المحاورة حتى عدّ مروان سكوت الخليفة عنه من الحلم وكلام كعب من الجرأة وثوّر الخليفة على الرجل؟ وهنالك انفجر بركان غضبه فأمر به فجُرّد وضُرِب وسُيِّر ، وعوقب لنصحه وصلاحه ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
لقد أراد القوم أن يزحزحوا التبعة عن عثمان فاختلق كلّ شيئاً من غير تواطؤ بينهم حتى يفتعلوا أمراً واحداً ، ففي ذيل هذه الرواية أنّ الخليفة ندم على ما فعل وتاب بعد توبيخ طلحة والزبير إيّاه واستعفى الرجل فعفا عنه ، ولم يعلم المتقوّل أنّ خليفةً لا يملك طيشه حيث لا موجب له لا يُؤتمن على دين ولا دنيا ، فإنّ من الممكن عندئذ أن يقتحم المهالك حيث لا مُوبّخ فيستمرّ عليها فيهلك ويُهلك ، وإنّ ممّا قاله الخليفة نفسه يوم الدار عن الثائرين عليه : إنّهم يخيّروني إحدى ثلاث : إمّا يقيدونني بكلّ رجلٍ أصبته خطأً أو صواباً غير متروك منه شيء ، فقلت لهم : أمّا إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب فلم يُستقد من أحد منهم. إلخ. وهذه الكلمة تعطينا أنّه ما كان يتنازل للإقادة حتى في أحرج ساعاته المشارفة لقتله ، فكيف