بآونة السعة وساعة المقدرة. فما يزعمه هذا الناحت لذيل الرواية من أنّه تنازل لكعب لأن يقيده بنفسه لا يكاد يلائم هذه النفسيّة ، ولو كان فعل شيئاً من ذلك لتشبّث به في ذلك المأزق الحرج.
وهناك رواية أُخرى جاء بها الطبري من طريق السري الكذّاب المتروك ، عن شعيب المجهول ، عن سيف الوضّاع المرميّ بالزندقة المتّفق على ضعفه (١) ، عن محمد وطلحة : أنّ كعباً كان يعالج نيرنجاً (٢) فبلغ ذلك عثمان فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك فإن أقرّ به فأوجعه ، فدعا به فسأله فقال : إنّما هو رفق وأمر يُعجب منه ، فأمر به فعزّر ، وأخبر الناس خبره وقرأ عليهم كتاب عثمان : إنّه قد جُدّ بكم فعليكم بالجدّ وإيّاكم والهزّال ، فكان الناس عليه وتعجبّوا من وقوف عثمان على مثل خبره ، فغضب ، فنفر في الذين نفروا فضرب معهم ، فكتب إلى عثمان فيه. فلمّا سيّر إلى الشام من سيّر ، سيّر كعب بن ذي الحبكة ومالك بن عبد الله وكان دينه كدينه إلى دُنباوند لأنّها أرض سحرة ، فقال في ذلك كعب بن ذي الحبكة للوليد :
لعمري لئن طرّدتني ما إلى التي |
|
طمعتُ بها من سقطتي لسبيلُ |
رجوت رجوعي يا ابن أروى ورجعتي |
|
إلى الحقّ دهراً غال ذلك غولُ |
وإنَّ اغترابي في البلاد وجفوتي |
|
وشتميَ في ذاتِ الإلهِ قليلُ |
وإنَّ دعائي كلَّ يومٍ وليلةٍ |
|
عليك بدُنباوندكمْ لطويلُ |
فلمّا ولّي سعيد أقفله وأحسن إليه واستصلحه ، فكفره ، فلم يزدد إلاّ فسادا (٣). شوّه الطبري صحيفة تاريخه بمكاتبات السري وقد أسلفنا في الجزء الثامن أنّها
__________________
(١) راجع ما مرّ في : ٨ / ٨٤ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ٣٢٦ ـ ٣٣٣ من كلمات الحفّاظ حول رجال الإسناد. (المؤلف)
(٢) النيرج والنيرنج : أخذ كالسحر وليس به. (المؤلف)
(٣) تاريخ الطبري : ٥ / ١٣٧ [٤ / ٤٠١ حوادث سنة ٣٥ ه]. (المؤلف)