موضوعة كلّها ، اختلق الرجل في كلّ ما ينتقد به عثمان رواية تظهر فيها لوائح الكذب ، يريد بها رفاء لما هنالك من فتق ، وهو الذي قذف أبا ذر ونظراءه من الصالحين ، غير مكترث لمغبّة الكذب والافتراء ، ومن ملامح الكذب في هذه الرواية أنّ تسيير من سُيّر إلى الشام من قرّاء الكوفة ونُسّاكها وضرب كعب إنّما هو على عهد سعيد بن العاص لا الوليد بن عقبة كما زعمه مختلق الرواية.
وإنّ كتاب عثمان إلى الوليد لا يصحّ ، ولم يؤثر في أيّ من مدوّنات التاريخ والسير ، ولو كان تفرّد به أُناس يوثق بهم لكان مجالاً للقبول ، لكن الرواية كما قيل :
صحاحهم عن سجاح عن مسيلمة |
|
عن ابن حيّان والدوسيّ يمليهِ |
وكلّهم ينتهي إسناد باطله |
|
إلى عزازيل مُنشيه ومُنهيهِ (١) |
على أنّه يقول فيها : إنّ وليداً قرأه على رءوس الأشهاد ، كأنّه يحاول معذرةً عمّا ارتكب من كعب ، وإنّه كان برضىً من المسلمين ، ولو صحّت المزعمة لكانت مستفيضة ، إذ الدواعي كانت متوفّرة على نقلها ، لكنهم لم يسمعوها فلم يرووها ، مضافاً إلى أنّ المعروف من كعب بن عبدة أنّه كان من نسّاك الكوفة وقرّائها كما سمعته من كلام البلاذري وغيره لا ممّن يتلهّى بالنيرنجات وأشباهها.
وإن تعجب فعجب أنّ صاحب النيرنج ـ لو صدقت الأحلام ـ يُعزّر ويعاقب ، ومُعاقر الخمور ـ وليد الفجور ـ لا يحدّ لشربه الخمر إلاّ بعد نقمة الصحابة على خليفة الوقت من جرّاء ذلك ، ثمّ يكون مُقيم الحدّ عليه غيره وهو مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام.
ولم يكن في أُولئك المسيّرين من يسمّى مالك بن عبد الله ، وإنّما كان فيهم مالك ابن الحارث الأشتر ومالك بن حبيب الصحابيّان كما تقدّم ذكرهما.
وأبيات كعب تناسب أن يخاطب بها عثمان لا الوليد ؛ فإنّه هو ابن أروى بنت
__________________
(١) البيتان من قصيدة للشريف ابن فلاح الكاظمي. (المؤلف)