أم كان الرجل يراه ابن متكإ ، عاضّا أير أبيه ، طاغياً كذّاباً يجترىء عليه ويجرّي عليه الناس كعمّار جلدة ما بين عيني النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
أم كان يحسبه معالجاً نيرنجاً ككعب بن عبدة الصالح الناسك؟
أم كان يراه تاركاً الجبن واللحم والجمعة والتزويج كعامر بن عبد قيس القارى الزاهد المتعبّد؟
أم كان الإمام متكلّماً بألسنة الشياطين غير عاقل ولا ديّن كصلحاء الكوفة المنفيّين؟
حاشا صنو النبيّ الأقدس عن أن يُرمى بسقطة في القول أو في العمل بعد ما طهّره الجليل ، واتّخذه نفساً لنبيّه ، واختارهما من بين بريّته نبيّا ووصيّاً.
وحاشا أُولئك المنفيّين من الصحابة الأوّلين الأبرار والتابعين لهم بإحسان عن تلكم الطامّات والأفائك والنسب المفتعلة.
نعم ؛ كان يرى الرجل كلاّ من أُولئك الصفوة البررة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر طاغياً اتّخذ عليّا عليهالسلام سلّماً ويعدّه كهفاً وملجأ يدافع عنهم بوادر غضب الخليفة ، ويحول بينهم وبين ما يرومه من عقوبة تلك الفئة الصالحة الناقمة عليه لما ركبه من النهابير (١) ، فدفع هذا المانع الوحيد عن تحقّق هواجس الرجل كان عنده أولى بالنفي من أُولئك الرجال المنفيّين ، ولولاه لكان يشفي منهم غليله ، ويتسنّى له ما كان يبتغيه من البغي عليهم ، والله يدافع عن الذين آمنوا وأنّه على نصرهم لقدير.
على أنّه ليس من المعقول أن يكون من يأوي إلى مولانا أمير المؤمنين وآواه هو طاغياً كما يحسبه هذا الخليفة ، فإنّه لا يأوي إلى مثله إلاّ الصالح الراشد من
__________________
(١) النهابير : جمع نهبورة : وهي المهالك ، وأصلها الحُفَر بين الآكام.