وعليه فلا محلّ للإشكال الذي ظهر لبعض المفسّرين نتيجة وجود «فاء التفريع» ، فالمعنى تماما كما نقول لشخص : هذا البستان زرعناه وأعمرناه ، استفد منه أنت ، وهذا منتهى إظهار المحبّة والإيثار.
٤ ـ جملة (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) إشارة إلى مسألة في غاية الأهمية ، وهي تذليل هذه الحيوانات للإنسان. فتلك الحيوانات القوية والتي تنسى في بعض الأحيان ذلك التذليل الإلهي ، وتثور وتغضب وتعاند فتصبح خطرة إلى درجة أنّ عشرات الأشخاص لا يمكنهم الوقوف أمامها. وفي حالاتها الاعتيادية فإنّ قافلة كاملة من الجمال يقودها تارة صبي لم يبلغ الحلم ، ويدفعها في الطريق الذي يرتئيه!
إنّه لأمر عجيب حقّا ، فإنّ الإنسان غير قادر على خلق ذبابة ، ولا حتّى ترويضها وتذليلها لخدمته ، أمّا الله القادر المنّان فإنّه خلق ملايين الملايين من الحيوانات المختلفة ، وذلّلها للإنسان لتكون في خدمته دوما.
٥ ـ جملة (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) ـ مع الالتفات إلى أنّ (ركوبهم) صفة مشبّهة بمعنى (مركوبهم) ـ إشارة إلى أنّ الإنسان ينتخب قسما منها للركوب وقسما آخر للتغذّي. وإن كان لحم أغلب الحيوانات المشهورة حلال بنظر الإسلام ، إلّا أنّ الإنسان استفاد عمليّا من بعضها فقط للتغذية ، فمثلا لحم الحمير لا يستفاد منه إلّا في الضرورة القصوى.
ومن الواضح انّ ذلك إذا اعتبرنا «منها» في كلا الجملتين «للتبعيض الإفرادي» ، أمّا لو اعتبرنا الاولى «للتبعيض الافرادي» والثانية «للتبعيض الأجزائي» يكون معنى الآية (بعض الحيوانات تنتخب للركوب وينتخب جزء من أجسامها للتغذية (إذ أنّ العظام وأمثالها غير قابلة للأكل).
٦ ـ (لَهُمْ فِيها مَنافِعُ) إشارة إلى فوائد الحيوانات الكثيرة الاخرى التي تتحقّق للإنسان ، ومن جملتها الأصواف والأوبار التي تصنع منها مختلف الملابس والخيم والفرش ، والجلود التي تصنع منها الحقائب والملابس والأحذية ووسائل اخرى