للحركة أثناء حالة توقّفها ، وإنّها سريعة السير أثناء عدوها.
ويستشف من الآية مع القرائن المختلفة المحيطة بها ، أنّه في أحد الأيّام وعند العصر استعرض سليمان عليهالسلام خيوله الأصيلة التي كان قد أعدّه الجهاد أعدائه ، إذ مرّت تلك الخيول مع فرسانها أمام سليمان عليهالسلام في استعراض منسّق ومرتّب. وبما أنّ الملك العادل وصاحب النفوذ عليه أن يمتلك جيشا قويّا ، والخيول السريعة إحدى الوسائل المهمّة التي يجب أن تتوفّر لدى ذلك الجيش ، فقد جاء هذا الوصف في القرآن بعد ذكر مقام سليمان باعتباره نموذجا من أعماله.
ولكي يطرد سليمان التصوّر عن أذهان الآخرين في أنّ حبّه لهذه الخيول القويّة ناتج من حبّة للدنيا ، جاء في قوله تعالى : (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) انّي احبّ هذه الخيل من أجل الله وتنفيذ أمره ، وأريد الاستفادة منها في جهاد الأعداء.
لقد ورد أنّ العرب تسمّى «الخيل» خيرا ، وفي حديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال فيه : «الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة» (١).
واستمرّ سليمان عليهالسلام ينظر إلى خيله الأصيلة المستعدّة لجهاد أعداء الله ، وهو يعيش حالة من السرور ، حتّى توارت عن أنظاره (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ).
كان هذا المشهد جميلا ولطيفا لقائد كبير مثل سليمان ، بحيث أمر بإعادة عرض الخيل مرّة اخرى (رُدُّوها عَلَيَ). وعند ما نفّذت أوامره بإعادة الخيل ، عمد سليمان عليهالسلام إلى مسح سوقها وأعناقها (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ).
وبهذا الشكل أشاد بجهود مدربي تلك الخيول ، وأعرب لهم عن تقديره لها ، لأنّ من الطبيعي لمن أراد أن يعرب عن تقديره للجواد أن يمسح رأس ذلك الجواد ووجهه ورقبته وشعر رقبته ، أو يمسح على ساقه. وأبرز في نفس الوقت تعلّقه
__________________
(١) مجمع البيان في ذيل الآيات مورد بحثنا ، قال البعض : إنّ (خير) الواردة في الآية الآنفة الذكر تعني المال أو المال الكثير ، وهذا التّفسير من الممكن أن يتطابق مع التّفسير السابق ، لأنّ مصداق المال هنا هو الخيل.