فبالرغم من اعترافهم بأنه صاحب ذكر يريد بلورة عقولهم وتزكية نفوسهم اتهموه بالجنون لأنه كان يضحي بكل راحته ومتعته من أجل مصلحتهم ، ولا يريد مصلحة لنفسه ، فاي تهمة يمكن الصاقها به غير الجنون ـ طبعا ـ حسب ثقافتهم المتوغلة في المادية ، وحسب تفسيرهم للعقل وهو الحصول على أكثر ما يمكن من المكاسب ينبغي ان يكون المضحي من أجل الهدف ومن دون اية مصلحة ذاتية ان يكون مجنونا.
أما الجنون بمعنى انعدام العقل فانه ينعكس على تصرفات الفرد ـ في أكله وشربه ـ في سلمه وحربه ـ في أرادته لأصدقائه ـ ومقاومته لأعدائه ـ وهل كان الرسول مجنونا بهذا المقياس ، وهل الرساليون السائرون على نهجه مجانين بهذا المقياس؟ أم بمقياس الماديين السادرين في متع الدنيا الرخيصة؟!
[٧] ولكي يبرروا كفرهم طالبوا الرسول بأمر تصوروه محالا وقالوا :
(لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)
وهكذا كل فرد لا يريد ان يؤمن بفكرة أو يقوم بعمل يتعلل ببعض العلل.
[٨] ولكن الا يعلمون ان نزول الملائكة ، يعني كشف الغيب امام عين البشر ، والله جعل الدنيا دار اختبار لعقل البشر وإرادته ، وهل يختار الحق على الشهوات ، ويكتشف الحق بين الشبهات أم يخضع لشهواته ويستسلم لها ، وحين يشاء بعث الملائكة وكشف الغيب فانه ينهي فترة الاختيار ، وبعدها لا تعطي فرصة أخرى للأمة.
(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ)
فعند هبوط الملائكة لا يهمل الناس ، وكل من يموت قد يشاهد الملائكة ويؤمن بها ولكن من دون فائدة.