كذّب وتولّى ، وهذه الفكرة التي تؤكدها فطرة البشر ، هي حجر الأساس في بناء صرح الثقافة السليمة.
[٤٩] (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى)
كان البشر عبر التاريخ يعتقدون بالله رب السماوات والأرض ، ولكن اعتقادهم كان أبدا مشوبا بالشرك ، لذلك يطرح هذا السؤال : ما ذا أراد فرعون باستفهامه عن رب موسى وهارون؟ الجواب : لعل فرعون كان يريد أن ينسب حركة موسى وهارون التغييرية الى قوة سياسية أرضية ، وكان يعني بالربّ هنا ما يقال عن (رب العائلة) : أي مسئولها ـ أي كان يريد أن يقول : إنكم تريدون أن تفسدوا السلطان الذي أملكه ، عن طريق الدعوة الى دولة أخرى ، وبالتالي كان فرعون ـ كأيّ طاغوت آخر ـ يتهم الحركات التحررية بأنها حركات عميلة ، فأجابه موسى (ع) : باننا لا ندعو إلى إسقاط هذه الحكومة وقيام حكومة نحكمها نحن ، وانما ندعو الى تحرر الإنسان وخاصة بني إسرائيل ، ليس من عبوديتك فقط ، بل من عبودية أية سلطة ، حتى ولو كانت من داخل تجمعهم ، والدعوة إلى عبودية الله التي هي الحرية المطلقة.
[٥٠] (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)
إننا لا ندعو الى أحد وإنّما ندعو الى الله الذي خلق الأشياء ، ثمّ هداها في طريقة تنفسها ، وأكلها ، وشربها ، والحماية عن نفسها و.. و.. فالله حينما خلق الأشياء علم أنها تحتاج الى وسائل تغذية وحماية وتمتع وغيرها ، فهداها الى كلّ ذلك بفضله! فهو إذن الربّ الحقيق بالعبادة ، والتسليم والولاية.
ومن خلال هداية الله للأشياء ينبغي أن يهتدي الإنسان بهدى العقل ورسالة الربّ ، الى منافعه ومصالحه الحقيقية.