حزن ، وخلق دارا أخرى للمعاندين ، وجعل فيها من كلّ عذاب أشدّه وآلمه ، دون أن يكون فيها مكان للرحمة أو مجال للنعمة ، وخلق دارا ثالثة تجمع صفات تلك الدارين ، فيها ضغث من الجنة وضغث من الجحيم ، وهي الدنيا ، ثمّ جعل ما فيها من ثواب ونعم شاهدا على ما في تلك الدار من ثواب ونعمة ، وما فيها من عقاب ونقمة ، شاهدا على ما في الجحيم من أليم العذاب. وهذا هو مضمون حديث مفصل مروي عن أمير المؤمنين علي (ع).
وفي هذه الآيات يؤكد السياق ذلك ، فلكي تعرف إنّك مسئول في الآخرة تدبر في نتائج أعمالك في الدنيا ، ولكي تعرف حقيقة العذاب والثواب في الآخرة جربهما في الدنيا.
لذلك تجد الصحابي أبا ذر ـ عليه السلام ـ يذهب الى الصحراء ، يعرّي جسده ، ويلقي بنفسه على الرمضاء حيث تصهره الشمس ويكويه الحصى ، ويقول لنفسه يا أبا ذر ذق حرارة الدنيا لكي تبعد نفسك عن نار الآخرة ، فان نار جهنم أشدّ حرا. وفي الحديث الشريف : «تذكّروا بجوعكم وعطشكم ـ في شهر رمضان ـ جوعكم وعطشكم في يوم القيامة».
إنّ كلّ ما نواجهه في حياتنا الدنيا من صعوبات ومشاكل ومخاطر ، هو نفحة من عذاب الله تذكرنا بحقيقة العذاب الموجود في الآخرة ، ويصيبنا إن لم نتبع الفرقان الذي أنزله إلينا ربنا ، والذي يفرق لنا بين الحقّ والباطل ، وبين الحلال والحرام ، وبين الخير والشر.
(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ)