فلما تعرضت الأمة المنحرفة لخطر الطوفان الرهيب الذي لم يكن ليصمد أمامه شيء ، ولم تكن حتى سفينة نوح كافية للافلات من غضبة الأمواج الهادرة ، طلب نوح (ع) من ربه النجاة ، فجاءته الاستجابة الالهية الكريمة لتشمله هو ومن كان معه باللطف والعناية ، وتشير الآية الى أنّ هناك شرطين أساسيين للدعاء :
أـ العمل في مسير الدعاء ، أي أن يكون الدعاء مصحوبا بما يتمكن عليه الإنسان من العمل والسعي في اتجاه الهدف المطلوب ، لا أن يكون وسيلة للقعود والتهرب من المسؤولية ، ونوحا إنّما دعا ربّه بعد ٩٥٠ عاما من الدعوة والجهاد.
ب ـ الخشوع والتضرع الى الله سبحانه ، بحيث يتمثل الإنسان نفسه واقفا بين يدي ملك الملوك جبار السماوات والأرض ، أمّا أن يدعو ربه ، ويكون فكره مشغولا بمواضيع دنيوية أو متعلقا بأشخاص آخرين ، فهذا ليس من أدب الدعاء وليس طريقا للاستجابة أبدا.
والدعاء الصحيح يحوّل الإنسان من حضيض البئر الى ملك يجلس على عرش مصر ، كيوسف (ع) ، ومن رجل مطارد يلقى به في أتون النار الملتهبة الى إمام للناس يصبح بداية تاريخ ، كإبراهيم (ع) ، ومن شاب مغمور الى ملك مهاب ، كداود (ع) ، أو من رجل قد أحاط المرض والفقر به الى إنسان سوي ثري ذي أهل وأولاد وجاه في المجتمع ، كأيوب (ع) (على نبينا وآله وعليهم أفضل الصلاة والسلام) ، وكلّ ذلك جرى بالقدرة الالهية الغيبية ، وبواسطة الألطاف الرحمانية التي شملتهم ، بسبب إخلاص طاعتهم وتوجيههم لخالقهم.
وهذا هو معنى المسؤولية ، حيث إنّها لا تقتصر على العمل وتحمّل الأذى والصعاب فقط ، وإنّما تمتد الى انتظار الفرج ، وتوقع الثواب من قبل الربّ الغني