ولم يكن هدف تلك الأحزاب (الحقيقة) إنما كان هدفهم شيئا آخر وهو (أنفسهم أو طائفتهم) ولعله ـ لذلك ينسب القرآن الاختلافات الى التحزب.
في البداية ينشأ التحزب ثم يتبعه الاختلاف ، فلكي أجمع أنا مجموعة من الناس حولي ولكي يجمع منافسي مجموعة أخرى من الناس حوله ، فلا بد أن نخلق نوعا من الاختلاف بيننا حتى أكون أنا شيئا وهو شيئا آخر ، وخيال البشر يستطيع أن يكشف أبدا بعض الفروقات ، وأن يخلق بعض الأمور الخلافية ، لأن الخلاف ليس أصلا إنما هو فرع للمتحور الذاتي. ولكن تتبخر هذه الخلافات التحزبية المصطنعة في يوم القيامة.
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ)
يذكرنا القرآن بأن هذا الخلاف لم يكن خلافا دينيا ، ولم يكن من أجل الله ، إنما كان من أجل شهواتهم وأهوائهم بدليل وصفهم بالكفر ، (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وعبارة (مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) تشير الى موقفهم يوم القيامة.
[٣٨] (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا)
لو تراهم ولو تسمعهم في ذلك اليوم الذي يأتون فيه الى الله سبحانه لاكتشفت بأن الظالمين في هذه الدنيا كانوا في ضلال مبين ، فبدل أن يبحثوا عن طريقة لانقاذ أنفسهم من نار جهنم ، ومن أهوال يوم القيامة ، فإنهم أخذوا يبحثون عن الدنيا وعن بعض الشهوات البسيطة والأنانيات والخلقيات الضيقة.
(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أي ليكن سمعك وبصرك متوجها إلى هؤلاء في ذلك اليوم حتى ترى وتسمع واقعهم وهم يقفون خائفين مرتجفين في المشهد العظيم أمام الله سبحانه وتعالى.