مرحلة الروّاد والقادة وهم (الأنبياء) ومرحلة الانحراف بعدهم الذي قال عنه ربنا في آية أخرى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ) ، ومن رحم هذا الجيل جاءت طائفة مثلت المرحلة الثالثة حيث أنهم تحدوا سلبيات هذا الجيل الفاسد وتابوا وأصلحوا ، فهيّء الرب لهم الجنات.
[٦١] (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ)
ان الجنات لا ترى بالشهود ، بل بالغيب وقد قلت في حديث مضى : ان الطالب الذي يجسد امام ناظرية قاعة الامتحان ، والتاجر الذي يتصور يوم خسارته ، والجندي الذي يتخيل في ذهنه ساحة المعركة ، ان هؤلاء أنفع من غيرهم ، وهكذا الحياة كلها والقرآن الحكيم يقول : (وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) فالرحمن برحمته الواسعة يريد أن يرحم عباده الذين خلقهم فجعل لهم جنة كبيرة مليئة بالطيبات والنعم ، ولكن بشرط أن يؤمنوا بها بالغيب.
(إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)
ما دام ذلك الوعد هو وعد الله فهو لا ريب آت.
[٦٢] (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً)
اللغو هو الانحراف مثل السب والفحش ، والجدل ، وكل ما يعكس حالة العداء بين الناس ، ويقابله السلام ذلك النور الذي يضيء الجنة وإنّ أول وأهم تجليات السلام هو سلام القلب حيث يعيش الجميع في ظل رب السلام يشربون من كأس السلام ، ويسرحون في وادي السلام ، ويسمون الى أفق السلام ، ولا يبقى غل في قلوبهم ، ولا طمع ولا حسد ، وإذا التقى بهم خزنة الجنة حيّوهم بالسلام :
(ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) (٣٤ / ق)