بغداد
وإنما ابتدأت بالعراق (١) لأنها وسط الدنيا ، وسرة الأرض ، وذكرت بغداد (٢) لأنها وسط العراق ، والمدينة العظمى ، التي ليس لها نظير في مشارق الأرض ومغاربها سعة ، وكبرا ، وعمارة وكثرة مياه ، وصحة ، وهواء.
ولأنه سكنها من أصناف الناس ، وأهل الأمصار ، والكور (٣) ، [و](٤) انتقل إليها من جميع البلدان القاصية والدانية ، وآثرها جميع أهل الآفاق على أوطانهم ، فليس من أهل البلد إلا ولهم فيها محلة ، ومتجر ، ومتصرّف ، فاجتمع بها ما ليس في مدينة في الدنيا.
__________________
(١) العراق : بلد مشهور ، سمّيت بذلك من عراق القربة ، وهو الخرز المثنّي في أسفلها أي أنّها أسفل أرض العرب ، وقيل : سمّي عراقا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر. وقيل : العراق شاطىء البحر. وقيل : إنما سمي عراقا لأنه دنا من البحر وفيه سباخ وشجر. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٠٥).
(٢) بغداد : أم الدنيا وسيدة البلاد ، وفيها أربع لغات : بغداد ، بدالين مهملتين ، وبغداذ معجمة الأخيرة (أي بذال) ، وبغدان ، وبالنون ، ومغدان ، بالميم بدلا من الباء ، تذكّر وتؤنّث. وقيل : أصل بغداد للأعاجم والعرب تختلف في لفظها إذا لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم ، قال بعض الأعاجم : تفسيره بستان رجل ، فباغ تعني بستان ، وداد اسم رجل ، وبعضهم يقول : بغ هو اسم لصنم ذكر أنه أهدي إلى كسرى خصيّ من المشرق فأقطعه إيّاها ، وكان الخصيّ من عباد الأصنام ببلده ، فقال : بغ داد ، أي الصنم أعطاني ، وقيل : بغ هو البستان ، وداد معناها أعطى ، وكان كسرى قد وهب لهذا الخصيّ هذا البستان ، فقال : بغ داد فسميت به ، وقيل : هي اسم فارسي معرّب عن باغ داذويه لأنّ بعض رقعة مدينة المنصور كان باغا لرجل من الفرس اسمه داذويه ، وبعضها أثر مدينة دارسة كان بعض ملوك الفرس اختطّها فاعتلّ ، فقالوا : ما الذي يأمر الملك أن تسمّى به هذه المدينة؟ فقال : هلدوه وروزه ، أي خلّوها بسلام ، فحكي ذلك للمنصور ، فقال : سمّيتها مدينة السّلام. وقيل : سميت مدينة السّلام : لأن نهر دجلة يقال له : وادي السّلام. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٤١).
(٣) الكور : جمع كورة ، بالضم ، هي المدينة والصقع ، (القاموس المحيط ، مادة : الكور).
(٤) زيادة أثبتناها لسلامة المعنى واتّساق الكلام.