بغداد ولا نقصت أسواقها ، لأنهم لم يجدوا منها عوضا ولأنه اتصلت العمارة والمنازل بين بغداد وسر من رأى في البر والبحر أعني في دجلة وفي جانبي دجلة.
سر من رأى
قد ذكرنا بغداد وابتداء أمرها والوقت الذي بناها أبو جعفر المنصور فيه ، ووصفنا كيف هندست ، وهندست أرباضها ، وقطائعها ، وأسواقها ، ودروبها ، وسككها ، ومحالها في الجانب الغربي من دجلة ، وهو جانب المدينة والكرخ.
والجانب الشرقي وهو جانب الرصافة الذي يسمى عسكر المهدي ، وقلنا في ذلك بما علمنا ، فلنذكر الآن سر من رأى ، وإنها المدينة الثانية من مدن خلفاء بني هاشم.
وقد سكنها ثمانية خلفاء منهم المعتصم وهو ابتدأها وأنشأها ، والواثق وهو هارون بن المعتصم ، والمتوكل جعفر بن المعتصم (١) ، والمنتصر محمد بن
__________________
ـ أبو الفضل ، خليفة عباسي ، ولد ببغداد سنة ٢٠٦ ه / ٨٢١ م بعد وفاة أخيه الواثق سنة ٢٣٢ ه ، وكان جوادا محبّا للعمران من آثاره المتوكّليه ببغداد ، أنفق عليها أموالا كثيرة ، وسكنها. ولما استخلف كتب إلى أهل بغداد كتابا قرىء على المنبر بترك الجدل في القرآن ، وأن الذمة بريئة ممن يقول بخلقه أو غير خلقه. ونقل مقرّ الخلافة من بغداد إلى دمشق ، فأقام بهذه شهرين ، فلم يطب له مناخها ، فعاد وأقام في سامرّا إلى أن اغتيل فيها ليلا سنة ٢٤٧ ه / ٨٦١ م ، بإغراء ابنه المنتصر ، ولبعض الشعراء هجاء في المتوكّل لهدمه قبر الحسين وما حوله سنة ٢٣٦ ه ، وكثرت الزلازل في أيامه فعمّر بعض ما خرّبت ، وكان يلبس في زمن الورد الثياب الحمر ، ويأمر بالفرش الأحمر ، ولا يرى الورد إلّا في مجلسه ، وكان يقول : أنا ملك السلاطين والورد ملك الرياحين وكلّ منّا أولى بصاحبه.
(١) المنتصر : المنتصر العباسي هو محمد المنتصر بالله بن جعفر المتوكّل على الله بن المعتصم ، أبو جعفر ، من خلفاء الدولة العباسية ، ولد في سامرّاء سنة ٢٢٣ ه / ٧٣٨ م ، وبويع بالخلافة بعد أن قتل أباه سنة ٢٤٧ ه ، وفي أيامه قويت سلطة الغلمان ، فحرّضوه على خلع أخويه المعتزّ ، والمؤيّد ، وكانا وليي عهده فخلعهما ، وهو أول من عدا على أبيه من بني العباس ، ولم تطل مدّته. وكان إذا جلس إلى الناس يتذكّر قتله لأبيه فترعد فرائصه. قيل : مات مسموما بمبضع طبيب ، وفاته بسامرّاء سنة ٢٤٨ ه / ٨٦٢ م ، ومدة خلافته ستة أشهر وأيام ، وهو أول خليفة من بني العباس عرف قبره ، وكانوا لا يحفلون بقبور موتاهم ، إلا أن أمه طلبت إظهار قبره. وكان له خاتمان نقش على أحدهما : محمد رسول الله ، وعلى الثاني : المنتصر بالله.