ونزل ببغداد سبعة خلفاء : المنصور ، والمهدي ، وموسى الهادي ، وهارون الرشيد ، ومحمد الأمين وعبد الله المأمون ، والمعتصم.
فلم يمت بها منهم واحد إلا محمد الأمين بن هارون الرشيد (١) فإنه قتل خارج باب الأنبار عند بستان طاهر.
وهذه القطائع والشوارع والدروب والسكك التي ذكرتها على ما رسمت في أيام المنصور ووقت ابتدائها وقد تغيرت ومات المتقدمون من أصحابها وملكها قوم بعد قوم وجيل بعد جيل ، وزادت عمارة بعض المواضع ، وملك قوم ديار قوم ، وانتقل الوجوه والجلة والقواد وأهل النباهة من سائر الناس مع المعتصم إلى سر من رأى في سنة ثلاث وعشرين ومائتين ، ثم اتصل بهم المقام في أيام الواثق (٢) والمتوكل (٣) ، ولم تخرب
__________________
(١) محمد الأمين : هو محمد بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور ، خليفة عباسي ، ولد سنة ١٧٠ ه / ٧٨٧ م في رصافة بغداد. بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه سنة ١٩٣ ه بعهد منه ، فولى أخاه المأمون خراسان وأطرافها ، وكان المأمون ولي العهد من بعده. فلما كانت سنة ١٩٥ ه أعلن الأمين خلع أخيه المأمون من ولاية العهد ، فنادى المأمون بخلع الأمين في خراسان ، وتسمى بأمير المؤمنين ، وجهز الأمين وزيره ابن ماهان لحربه ، وجهز المأمون طاهر بن الحسين فالتقى الجيشان ، فقتل ابن ماهان وانهزم جيش الأمين ، فتتبّعه طاهر بن الحسين ، وحاصر بغداد حصارا طويلا انتهى بقتل الأمين ، قتل بالسيف بمدينة السّلام ، وكان الذي ضرب عنقه مولى لطاهر ، بأمره. سنة ١٩٨ ه / ٨١٣ م ، وكان أبيض طويلا سمينا ، جميل الصورة ، شجاعا ، أديبا ، رقيق الشعر ، مكثرا من الإنفاق ، سيّىء التدبير ، يؤخذ عليه انصرافه إلى اللهو ومجالسة الندماء.
(٢) الواثق : هو هارون الواثق بالله بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد العباسي ، أبو جعفر ، من خلفاء الدولة العباسيّة بالعراق. ولد سنة ٢٠٠ ه / ٨١٥ م في بغداد ، وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٢٢٧ ه فامتحن الناس في خلق القرآن ، وسجن جماعة وقتل في ذلك أحمد بن نصر الخزاعي بيده سنة ٢٣١ ه. قال أحد مؤرخيه : كان في كثير من أموره يذهب مذهب المأمون ، وشغل نفسه بمحنة الناس في الدين ، فأفسد قلوبهم. مات في سامرّا سنة ٢٣٢ ه / ٨٤٧ م ، قيل : بعلّة الاستسقاء ، وقال ابن دحية : كان مسرفا في حبّ النساء ، ووصف له دواء للتقوية ، فمرض منه وعولج بالنار ، فمات محترقا سنة ٢٣٢ ه / ٨٤٧ م ، وخلافته خمس سنين وتسعة أو ستة أيام. وكان كريما عارفا بالأداب والأنساب ، طروبا يميل إلى السماع ، عالما بالموسيقى ، قال أبو الفرج الأصفهاني : صنع الواثق مئة صوت ما فيها صوت ساقط ، وكان كثير الإحسان لأهل الحرمين حتى قيل : إنه لم يوجد بالحرمين في أيامه سائل.
(٣) المتوكّل : هو جعفر بن محمد المتوكّل على الله بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد ، ـ