ولي عهد وفي خلافته ، ونزله موسى الهادي (١) ، ونزله هارون الرشيد ، ونزله المأمون (٢) ، ونزله المعتصم (٣) ، وفيه أربعة آلاف درب وسكة وخمسة عشر ألف مسجد سوى ما زاده الناس ، وخمسة آلاف حمام سوى ما زاده الناس بعد ذلك ، وبلغ أجرة الأسواق ببغداد في الجانبين جميعا مع رحا البطريق وما اتصل بها في كل سنة اثني عشر ألف ألف درهم.
__________________
(١) موسى الهادي بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور ، أبو محمد من الخلفاء العباسيين ، ببغداد ، ولد بالرّيّ سنة ١٤٤ ه / ٧٦١ م ، وولي بعد وفاة أبيه سنة ١٦٩ ه ، وكان غائبا بجرجان فأقام أخوه الرشيد بيعته ، واستبدت أمه الخيزران بالأمر ، وأراد خلع أخيه هارون الرشيد ، فلم تر أمه ذلك ، فزجرها فأمرت جواريها أن يقتلنه فخنقنه ، ودفن في بستانه بعيسى آباذ سنة ١٧٠ ه / ٧٨٦ م ، ومدة خلافته سنة وثلاثة أشهر. كان طويلا جسيما أبيض ، في شفته العليا تقلّص ، شجاعا ، جوادا ، له معرفة بالأدب ، وشعر.
(٢) المأمون العباسيّ : هو عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور ، أبو العباس ، المولود سنة ١٧٠ ه / ٧٨٦ م سابع الخلفاء من بني العباس في العراق ، وأحد أعاظم الملوك في سيرته ، وعلمه ، وسعة ملكه ، نفذ أمره من إفريقية إلى أقصى خراسان ، وما وراء النهر ، والسند. عرّفه المؤرّخ ابن دحية بالإمام العالم ، المحدّث ، النحوي ، اللغوي. ولي الخلافة بعد خلع أخيه الأمين سنة ١٩٨ ه ، فتمم ما بدأ به جده المنصور من ترجمة كتب العلم والفلسفة وأتحف ملوك الروم بالهدايا سائلا أن يصلوه بما لديهم من كتب الفلاسفة ، فبعثوا إليه بعدد كبير من كتب أفلاطون ، وأرسطاطاليس ، وأبقراط ، وجالينوس ، وأقليدس ، وبطليموس ، وغيرهم ، فاختار لها مهرة التراجمة ، فترجمت ، وحضّ الناس على قراءتها ، فقامت دولة الحكمة في أيامه ، وقرّب العلماء ، والفقهاء ، والمحدّثين ، والمتكلّمين ، وأهل اللغة ، والأخبار ، والمعرفة بالشعر ، والأنساب. وأطلق حرية الكلام للباحثين ، وأهل الجدل ، والفلاسفة ، لو لا المحنة بخلق القرآن ، في السنة الأخيرة من حياته. كان فصيحا مفوّها ، واسع العلم ، محبا للعفو. من كلامه : لو عرف الناس حبّي للعفو لتقرّبوا إليّ بالجرائم. وأخباره كثيرة. توفي سنة ٢١٨ ه / ٨٣٣ م.
(٣) المعتصم العباسي : هو محمد بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور ، أبو إسحاق ، المعتصم بالله العباسي ، خليفة من أعظم خلفاء هذه الدولة ، مولود سنة ١٧٩ ه / ٧٩٥ م. بويع بالخلافة سنة ٢١٨ ه ، يوم وفاة أخيه المأمون وبعهد منه ، وكان بطرطوس ، وعاد إلى بغداد بعد سبعة أسابيع في السنة نفسها. كان قوي الساعد ، يكسر زند الرجل بين إصبعيه ، ولا تعمل في جسمه الأسنان. كره التعليم في صغره ، فنشأ ضعيف القراءة يكاد يكون أمّيّا ، وهو فاتح عمورية من بلاد الروم الشرقية ، في خبر مشهور. هو باني مدينة سامرّا سنة ٢٢٢ ه حين ضاقت بغداد بجنده.
وهو أول من أضاف إلى اسمه اسم الله تعالى ، من الخلفاء ، فقيل : المعتصم بالله ، وكان ليّن العريكة ، رضي الخلق ، اتّسع ملكه جدا. كان له سبعون ألف مملوك ، خلافته ثماني سنوات وثمانية أشهر ، وخلّف ثمانية بنين وثماني بنات ، وعمره ثمان وأربعون سنة ، توفي بسامرّاء سنة ٢٢٧ ه / ٨٤١ م. كان أبيض أصهب حسن الجسم مربوعا طويل اللحية.