وشيرين (١) امرأة كسرى (٢) كانت تصيّف بهذا القصر ، وبهذا الموضع آثار لملوك الفرس كثيرة ، ومن قصر شيرين إلى حلوان.
حلوان
ومدينة حلوان (٣) مدينة جليلة كبيرة ، وأهلها أخلاط من العرب والعجم من الفرس والأكراد افتتحت أيام عمر بن الخطاب.
__________________
(١) شيرين : زوجة أبرويز بن هرمز (من ولد كسرى أنوشروان) ، كانت يتيمة في حجر رجل من الأشراف ، وكان أبرويز صغيرا (وهو كسرى الثاني ، ملك ساساني ٥٩٠ ـ ٦٢٨ م) يدخل منزل ذلك الرجل فيلاعب شيرين وتلاعبه ، فأخذت من قلبه موضعا فنهاها عن ذلك الرجل فلم تنته فرآها وقد أخذت في بعض الأيام من أبرويز خاتما ، فقال لبعض خواصه : اذهب بها إلى دجلة فغرّقها ، فأخذها الرجل ومضى ، فقالت له : وما الذي ينفعك من تغريقي؟ فقال : قد حلفت لمولاي ، فقالت : اقذفني في مكان رفيق فإن نجوت لم أظهر وبرئت من يمينك ، ففعل وتوارت في الماء حتى غاب وصعدت إلى دير فترهّبت فيه وأحسن إليها الرهبان. لما تقرّر الملك الأبرويز بعد أبيه هرمز (وهو هرمز الرابع ٥٧٩ ـ ٥٩٠ م) مرّ بذلك الدير رسل كسرى فدفعت الخاتم إلى رئيسهم ، وقالت : ابعث به إلى أبرويز لتحظى عنده ، فأرسله وعرفه مكان شيرين فسّر سرورا عظيما ، وأرسل إليها فأحضرها ، وكانت من أجمل النساء وأظرفهنّ ففوّض إليها أمره وهجر نساءه وجواريه وعاهدها أن لا تمكّن منها أحدا بعده ، وبنى لها القصر السابق الذكر بالعراق ، فلما قتله ابنه شيرويه راودها عن نفسها فامتنعت ، فضيّق عليها واستأصلها ورماها بالزنا وتهدّدها بالقتل إن لم تفعل ، فقالت : أفعل على ثلاث شرائط ، قال : ما هي؟ قالت : تسلّم إليّ قتلة زوجي حتى أقتلهم ، وتصعد المنبر وتبرّئني مما قذفتني به ، وتفتح لي ناوس أبيك ، فإن له عندي وديعة عاهدني إن تزوّجت بعده ، رددتها إليه. فدفع إليها قتلة أبيه فقتلهم وبرّأها. قيل : وفتح لها ناوس أبيه وبعث بخادم معها ، فجاءت إلى أبرويز فعانقته ومصّت فصا مسموما كان معها ، فماتت من وقتها ، وأبطأت على الخدم ، فصاحوا ، فلم تكلّمهم ، فدخلوا فوجدوها معانقة لأبراويز ميتة. (الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور ، زينب بنت علي فوّاز العاملية اللبنانية ، وضع حواشيه وعلّق عليه محمد أمين الضناوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٩ م ، ج ٢ / ص ١٢).
(٢) كسرى : هو أبرويز أو كسرى الثاني ، ملك ساساني ٥٩٠ ـ ٦٢٨ م ابن هرمز الرابع ، توصّل إلى العرش بمساعدة موريق الإمبراطور البيزنطي. احتل أورشليم سنة ٦١٤ م. انتصر عليه هرقل ، اغتيل في السجن واسمه الحقيقي خسرو.
(٣) حلوان : حلوان العراق ، وهي في آخر السواد مما يلي الجبال من بغداد ، وقيل : إنها سمّيت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكان بعض الملوك أقطعه إيّاها فسميت به. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٣٣٤).