فرسخين وسمّى الموضع المطيرة ، فأقطع أصحاب الأسروشنية وغيرهم من المضمومين إليه حول داره ، وأمره أن يبني فيما هناك سويقة فيها حوانيت للتجار فيما لا بد منه ومساجد وحمامات.
واستقطع الحسن بن سهل (١) بين آخر الأسواق وكان آخرها الجبل الذي صار فيه خشبة بابك ، وبين المطيرة موضع قطيعة أفشين ، وليس في ذلك الموضع يومئذ شيء من العمارات ثم أحدقت العمارة به حتى صارت قطيعة الحسن بن سهل وسط سر من رأى.
وامتدّ بناء الناس من كل ناحية واتصل البناء بالمطيرة. وجعلت الشوارع لقطائع قوّاد خراسان وأصحابهم من الجند والشاكرية (٢) ، وعن يمين الشوارع ويسارها الدروب فيها منازل الناس كافة ، وكان الشارع المعروف بالسريجة ، وهو الشارع الأعظم ممتدا من المطيرة إلى الوادي المعروف في هذا الوقت بوادي إسحاق بن إبراهيم (٣) لأن إسحاق بن إبراهيم انتقل من قطيعته في أيام المتوكل فبنى على رأس الوادي واتّسع في البناء.
ثم قطيعة إسحاق بن يحيى بن معاذ ، ثم تتصل قطائع الناس يمنة ويسرة في هذا
__________________
(١) الحسن بن سهل بن عبد الله السرخسي ولد سنة ١٦٦ ه / ٧٨٢ م ، أبو محمّد ، وزير المأمون العباسي ، وأحد كبار القادة والولاة في عصره ، اشتهر بالذكاء المفرط ، والأدب والفصاحة ، وحسن التوقيعات والكرم ، وهو والد بوران زوجة المأمون ، وكان المأمون يجلّه ويبالغ في إكرامه ، وللشعراء فيه أماديح. أصيب بمرض السويداء سنة ٢٠٣ ه ، فتغيّر عقله حتى شدّ في الحديد ، ثم شفي منه قبل زواج المأمون بابنته سنة ٢١٠ ه ، وتوفي في سرخس من بلاد خراسان سنة ٢٣٦ ه / ٨٥١ م. قال الخطيب البغدادي : وهو أخو ذي الرياستين الفضل بن سهل ، كانا من أهل بيت الرياسة في المجوس وأسلما ، هما وأبوهما سهل في أيام الرشيد.
(٢) الشاكريّة : مفردها شاكريّ : الأجير والمستخدم ، لفظة فارسية الأصل. (المنجد في اللغة والأعلام ، ماة : شكر).
(٣) إسحاق بن إبراهيم بن ميمون التميمي ، الموصلي ، أبو محمد ، ابن النديم ، من أشهر ندماء الخلفاء. تفرّد بصناعة الغناء ، وكان عالما باللغة ، والموسيقى ، والتاريخ ، وعلوم الدين ، وعلم الكلام ، راويا للشعر ، حافظا للأخبار ، شاعرا ، له تصانيف ، من أفراد الدهر أدبا ، وظرفا ، وعلما. فارسي الأصل ، مولده سنة ١٥٥ ه / ٧٧٢ م ، في بغداد. عمي قبل سنتين من موته سنة ٢٣٥ ه / ٨٥٠ م. نادم الرشيد ، والمأمون ، والواثق العباسيين ، ولما مات نعي إلى المتوكّل ، فقال : ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته ، وألف كتبا كثيرة ، قال ثعلب : رأيت لإسحاق الموصلي ألف جزء من لغات العرب كلها سماعه.