وولي المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم فأقام بسرّمن رأى سنتين وثمانية أشهر حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين فأقام بها يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة والمعتز بسرّمن رأى معه الأتراك وسائر [الموالي](١) ، ثم خلع المستعين وولي المعتز فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين وسبعة أشهر بعد خلع المستعين.
وبويع محمد المهتدي بن الواثق في رجب سنة خمس وخمسين ومائتين فأقام حولا كاملا ينزل الجوسق حتى قتل رحمه الله.
وولي أحمد المعتمد بن المتوكل (٢) فأقام بسرّمن رأى في الجوسق وقصور الخلافة ، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي بسرّمن رأى فبنى قصرا موصوفا بالحسن سمّاه المعشوق فنزله فأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ثم إلى المدائن ، ولسرّ من رأى منذ بنيت وسكنت إلى الوقت الذي كتبنا فيه كتابنا هذا خمس وخمسون سنة هلك بها ثمانية خلفاء ؛ مات وقتل فيها خمسة : المعتصم ، والواثق ، والمنتصر ، والمعتز ، والمهتدي.
وقتل في حريمها وفيما هو متصل بها ، وقريب منها اثنان المتوكل والمستعين ، واسمها في الكتب المتقدمة زوراء (٣) بني العباس.
__________________
(١) وردت في الأصل : «المالي» ، ولعلّ الصحيح ما أثبتناه.
(٢) المعتمد : هو أحمد ، المعتمد على الله ، بن المتوكّل على الله ، بن جعفر بن المعتصم ، أبو العباس ، خليفة عباسي ، ولد بسامرّاء سنة ٢٢٩ ه / ٨٤٣ م ، ولي الخلافة سنة ٢٥٦ ه ، بعد مقتل المهتدي بالله بيومين. طالت أيام ملكه ، وكانت مضطربة كثيرة العزل والتولية ، بتدبير الموالي وغلبتهم عليه ، فقام وليّ عهده أخوه الموفّق بالله (طلحة) فضبط الأمور ، وصلحت الدولة وانكفّت يد المعتمد عن كلّ عمل حتى إنه احتاج يوما إلى ثلاثمائة دينار فلم ينلها.
وكان من أسمح آل عباس ، جيد الفهم ، شاعرا ، إلّا أنه لما غلب على أمره انتقصه الناس ، وكان مقام الخلفاء قبله في سامرّاء فانتقل المعتمد منها إلى بغداد ، فلم يعد إليها أحد منهم بعده. ومات أخوه الموفّق سنة ٢٧٨ ه ، فأهمل أمر الرعية ، ومات مسموما ، وقيل : رمي في رصاص مذاب ، وكان موته ببغداد ، وحمل إلى سامرّاء فدفن فيها.
(٣) زوراء : تأنيث الأزور ، وهو المائل ، والازورار عن الشيء : العدول عنه والانحراف ، ومنه سميت القوس الزوراء لميلها ، وبه دجلة بغداد ، والأرض الزوراء : البعيدة. ومدينة الزوراء ببغداد في الجانب الشرقي ، سمّيت الزوراء لا زورار في قبلتها ، وقال غيره : «الزوراء مدينة أبي جعفر المنصور ، وهي في الجانب الغربي ، وقيل : إنما سمّيت الزوراء لأنه لمّا عمّرها جعل الأبواب الداخلة مزوّرة عن الأبواب الخارجة أي ليست على سمتها». (معجم البلدان ج ٣ / ص ١٧٥).