والثاني : لا ، وصححه أبو حيان.
وهل يشترط فيه اتحاد الناطق؟ قولان :
أحدهما : نعم ، فلو اصطلح رجلان على أن يذكر أحدهما فعلا والآخر فاعلا ، أو مبتدأ والآخر خبرا لم يسم ذلك كلاما ، وعلل بأن الكلام عمل واحد فلا يكون عامله إلا واحدا وعلى هذا يزاد في الحد : من ناطق واحد.
والثاني : لا ، وصححه ابن مالك وأبو حيان كما أن اتحاد الكاتب لا يعتبر في كون الخط خطا ، وقال ابن قاسم : صدور الكلام من ناطقين لا يتصور ؛ لأن كل واحد من المتكلمين إنما اقتصر على كلمة واحدة اتكالا على نطق الآخر بالأخرى ، فكأنها مقدرة في كلامه ، وهذا معنى قولي : «وأشكل تصوير خلافه».
تنبيه : تخصيص النحاة الكلام بالمفيد مجرد اصطلاح لا دليل عليه ، وقد بالغ الخفاجي في إنكار ذلك عليهم ، فقال في كتابه «سر الفصاحة» : الكلام عندنا ما انتظم من حرفين فصاعدا من الحروف المعقولة إذا وقع ممن تصح منه أو من قبيله الإفادة ، قال : وإنما شرطنا الانتظام ؛ لأنه لو أتى بحرف ومضى زمان وأتى بحرف لم يصح وصف فعله بأنه كلام ، وذكرنا الحروف المعقولة ؛ لأن أصوات بعض الجمادات ربما تقطعت على وجه يلتبس بالحروف ، لكنها لا تتميز تميزها ، وشرطنا وقوع ذلك ممن تصح منه أو من قبيله الإفادة ؛ لئلا يلزم عليه أن يكون ما يسمع من بعض الطيور كلاما.
وقولنا : القبيل دون الشخص ؛ لأن ما يسمع من المجنون يوصف بأنه كلام وإن لم تصح منه الفائدة وهو بحاله ، لكنها تصح من قبيله وليس كذلك الطائر ، ولا يجوز أن يشترط في حدّ الكلام كونه مفيدا على ما ذهب إليه أهل النحو ؛ لأن أهل اللغة قسموا الكلام إلى مهمل ومستعمل ، فالمهمل ما لم يوضع لشيء من المعاني ، والمستعمل هو الموضوع لمعنى له فائدة فلو كان الكلام هو المفيد عندهم وما لم يفد ليس بكلام لم يكونوا قسموه على قسمين ، بل كان يجب أن يسلبوا ما لم يفد اسم الكلام رأسا على أن الكلام إنما يفيد بالمواضعة وليس لها تأثير في كونه كلاما كما لا تأثير لها في كونه صوتا ، وقد تصدى أبو طالب العبيدي في شرح «الإيضاح» لنصر مذهب النحويين في ذلك ، وأكثر ما استدل بقولهم لمن يورد ما تقل فائدته : هذا ليس بكلام ، وبقول سيبويه : إن الكلام إنما يقع على الجمل ، وقرره بأنه اسم لمصدر ونائب عنه وذلك المصدر وهو التكليم موضوع للمبالغة والتكثير ؛ لأن فعله كلم دال على ذلك ، فلما جرى الكلام عليه وجب أن يراد به