والاسم بعضه مبني قطعا ، ثم اختلف في سبب البناء هل هو شيء واحد أو أكثر؟ فذهب كثيرون إلى الثاني فمنهم من قال : من أسبابه شبه الفعل المبني ومثله ب : نزال وهيهات فإنهما بنيا لشبههما ب : انزل ، وبعد في المعنى ، ورد هذا طردا بلزوم بناء سقيا لك وضربا زيدا ؛ لأنهما بمعنى الأمر ، وعكسا بلزوم إعراب أف وأوه ؛ لأنهما بمعنى أتضجر وأتوجع المعربين.
ومنهم من قال : من أسبابه عدم التركيب ، وعلى هذا ابن الحاجب حيث قال : المبني ما ناسب مبني الأصل أو وقع غير مركب ، فعنده أن الأسماء قبل التركيب مبنية ، وقيل : أسباب البناء تضمن معنى الحرف كأسماء الشرط والاستفهام ، ووقوعه موقع المبني ك : نزال الواقع موقع انزل ، ويا زيد الواقع موقع كاف الخطاب ، ومضارعته لما وقع موقع المبني كالعلم المؤنث المعدول ك : حذام فإنه ضارع نزال الواقع موقع انزل في العدل والتعريف ، وإضافته إلى مبني كأسماء الزمان المضافة إلى جملة أولها ماض.
وزاد بعضهم أن تكثر علل منع الصرف ، قال ابن جني في «الخصائص» : ذهب بعضهم إلى أنه إذا انضم إلى سببين من أسباب منع الصرف ثالث امتنع الاسم من الإعراب أصلا ؛ لأنه ليس بعد منع الصرف إلا ترك الإعراب ، ومثل ذلك بحذام وقطام وبابه ، فإن ثم العلمية والتأنيث والعدل عن حاذمة وقاطمة ، قال : وما ذكره فاسد ؛ لأن سبب البناء في الاسم ليس طريقه طريق حديث الصرف ، وتركه إنما سببه مشابهة الاسم للحرف لا غير ، وقوله : ليس بعد منع الصرف إلا ترك الإعراب ممنوع ، وتمثيله بباب حذام مردود فإن سبب البناء فيه شبهه بدراك ونزال ، وقد وجدنا ما اجتمع فيه خمسة أسباب من موانع الصرف ولم يبن وذلك أذربيجان فإن فيه العلمية والتأنيث والعجمة والتركيب والألف والنون اه كلام ابن جني.
والذي جزم به ابن مالك في كتبه أنه لا سبب للبناء سوى شبه الحرف فقط وهذا هو المختار ، ونقله جماعة من المتأخرين عن ظاهر كلام سيبويه ، وصرح به ابن جني في «الخصائص» كما تقدم في كلامه ، وكذلك أبو البقاء في «التلقين» ، ثم رأيته أيضا في «تقييد» أكمل الدين العطار ، وعبارته : «وأما ما بني من الأسماء فإنما بني لشبهه بالحرف ، ثم حكى كلامهم في البناء للخروج عن النظائر وللوقوع موقع الأمر ، ثم قال : وهذا إنما هو على وجه التقريب ، والصحيح أن كل اسم بني فإنما بني لشبهه بالحروف ، وهذا الشبه على ضربين لفظي ومعنوي ، فاللفظي نحو : كم ؛ لأنها أشبهت هل ؛ لكونها على حرفين ،