سور ببغداد وأحكمه ، وحفر خندقها وحصّنها ونزل أبو أحمد بن المتوكل على الله على بغداد فحضر المستعين بالله وهو معترف (١) للناس ، ونصب لهم الحرب وتجرّد من بغداد [للقتال](٢) فغدوا وراحوا على الحرب ، ونصب المجانيق والعرّادات حول سور بغداد ، فلم يزل القتال بينهم سنة اثنا عشر شهرا ، وعظمت الفتنة ، وكثر القتل ، وغلت الأسعار ببغداد بشدّة الحصار ، وأضر ذلك بالناس وجهدوا ، وداهن محمّد بن عبد الله بن طاهر في نصرة المستعين ، ومال إلى المعتز وكاتب (٣) سرا ، فضعف أمر المستعين ووقف أهل بغداد على مداهنة ابن طاهر فصيحوا به وكاشفوه ، وانتقل المستعين بالله من دار محمّد بن عبد الله إلى الرصافة فنزلها ، وسعى في الصلح على خلع المستعين وتسليم الأمر للمعتزّ حتى تقرر الأمر على ذلك ، وسعى فيه رجال من الوجوه منهم إسماعيل بن إسحاق القاضي وغيره ، ووقعت فيه شرائط مؤكدة ، فخلع المستعين بالله نفسه ببغداد في الرصافة يوم الجمعة لأربع خلون من المحرم سنة اثنين (٤) وخمسين ومائتين ، وسلّم الأمر للمعتز بالله وبايع له وأشهد على نفسه بذلك من حضره من الهاشميين والقضاة وغيرهم ، فكانت خلافة المستعين بالله منذ يوم بويع له بسرّ من رأى بعد وفاة المنتصر بالله إلى يوم [خلع](٥) ببغداد ثلاث سنين وسبعة أشهر.
وأحدر المستعين بعد خلعه إلى واسط موكلا به فخرج من مدينة السلام ليلة الجمعة لإحدى عشرة خلت من المحرم بعد خلعه بثمانية أيام ، فوصل إلى واسط وأقام بها تسعة أشهر في التوكيل به ، ثم حمل إلى سرّ من رأى فقتل بقادسية سرّ من رأى لثلاث خلون من شوال ، وقيل : ليومين بقيا من شهر رمضان سنة ثنتين وخمسين ومائتين ، فتوفي وله من السن أحد (٦) وثلاثون سنة وشهران ونيّف وعشرون يوما ، وكان المستعين مربوعا أحمر الوجه خفيف العارضين بمقدم رأسه طول ، حسن الجسم ، بوجهه أثر جدري ، في لسانه لثغة على السين يميل بها إلى الثاء.
__________________
(١) كذا بالأصل ، وفي بغية الطلب : ومن معه من الناس.
(٢) الزيادة لازمة عن المصدرين السابقين.
(٣) بالأصل : «وكانت» والمثبت عن ابن العديم ومهملة بدون نقط في م.
(٤) كذا بالأصل.
(٥) سقطت من الأصل واستدراكها لازم عن المختصر لابن منظور.
(٦) كذا بالأصل ، والصواب «إحدى».