قال : بعث إليّ المعتزّ رسولا بعد رسول ، فلبست كمّتي ولبست نعل (١) طاق فأتيت بابه (٢) قال الحاجب : يا شيخ [اخلع] نعليك فلم التفت إليه ، فدخلت إلى الباب الثالث ، فقال : يا شيخ نعليك فقلت : أبا الوادي المقدس أنا فأخلع نعلي؟ فدخلت بنعلي فرفع مجلسي وجلست على مصلّاه فقال : أتعبناك ، أبا جعفر؟ فقلت : أتعبتني وأذعرتني ، فكيف بك إذا سئلت عني؟ فقال : ما أردنا إلّا الخير أردنا نسمع العلم ، فقلت : ونسمع العلم أيضا؟ ألا جئتني فإن العلم يؤتى فلا يأتي. قال : نعتب (٣) أبا جعفر؟ فقلت له : خلبتني بحسن أدبك ، اكتب.
قال : فأخذ الكاتب القرطاس والدواة فقلت له : أتكتب حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قرطاس بمداد؟ قال : فبما يكتب؟ قلت : في رق بحبر ، فجاءوا برق وحبر. فأخذ الكاتب يريد أن يكتب. فقلت : اكتب بخطك ، فأومئ إليّ أنه لا يكتب ، فأمليت عليه حديثين أسخن الله بهما عينيه.
فسأله ابن البنّا أو ابن النعمان (٤) : أي حديثين؟ فقال : قلت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من استرعي رعية فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة» [٤٢٦٢].
والثاني : «ما من أمير عشيرة إلّا يؤتى به يوم القيامة مغلولا» [٤٢٦٣].
أخبرنا أبو العزّ بن كادش إذنا ومناولة ، وقرأ علي إسناده ، أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافا بن زكريا ، نا محمّد بن يحيى الصولي ، نا محمّد بن يحيى بن أبي عبّاد ، حدّثني عمر بن محمّد بن عبد الملك (٥) ، قال : قعد المعتزّ ويونس بن بغا بين يديه والجلساء والمغنون حضور ، وقد أعد الخلع والجوائز إذ دخل بغا فقال : يا سيدي والدة عبدك يونس في الموت ، وهي تحب أن تراه ، فأذن له فخرج. وفتر المعتزّ بعده ونعس ، وقام الجلساء إلى أن صلّيت المغرب ، وعاد المعتزّ إلى مجلسه ، ودخل يونس وبين يديه الشموع فلما رآه المعتزّ عاد المجلس أحسن ما كان فقال المعتزّ :
__________________
(١) تاريخ بغداد : نعلي طاق.
(٢) عن تاريخ بغداد وبالأصل : «به».
(٣) تقرأ بالأصل «لقيت» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٤) عن تاريخ بغداد ، وتقرأ بالأصل : «اليعمراني حديثين».
(٥) الخبر نقله ابن العديم عن المعافى بن زكريا ج ٨ / ٣٧٧٠.