فقال القوم : ما رأيناه ، فقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص : أنا رأيته فقال له سعيد : بعينك هذه العوراء رأيته من بين القوم؟ فقال هاشم تعيرني بعيني وإنما فقئت في سبيل الله ، وكانت عينه أصيبت يوم اليرموك ، ثم أصبح هاشم في داره مفطرا ، وغدّا الناس عنده فبلغ ذلك سعيد بن العاص فأرسل إليه فضربه وحرّق داره ، فخرجت أمّ الحكم بنت عتبة بن أبي وقاص وكانت من المهاجرات ونافع بن عتبة بن أبي وقاص من الكوفة حتى قدما المدينة فذكرا لسعد (١) بن أبي وقاص ما صنع سعيد بهاشم فأتى سعد عثمان فذكر له ذلك ، فقال عثمان : سعيد لكم بهاشم اضربوه بضربه ، ودار سعيد لكم بدار هاشم فأحرقوها كما حرق داره. فخرج عمر بن سعد بن أبي وقاص وهو يومئذ غلام يسعى حتى أشعل النار في دار سعيد بالمدينة فبلغ الخبر عائشة فأرسلت إلى سعد بن أبي وقاص تطلب إليه وتسأله (٢) أن يكفّ ، ففعل ورحل من الكوفة إلى عثمان الأشتر مالك بن الحارث ويزيد بن مكنف (٣) ، وثابت بن قيس ، وكميل بن زياد النّخعي ، وزيد ، وصعصعة ابنا صوحان العبديان ، والحارث بن عبد الله الأعور ، وجندب بن زهير ، وأبو زينب الأزديان ، وأصفر (٤) بن قيس الحارثي يسألونه عزل سعيد بن العاص عنهم ، ورحل سعيد وافدا على عثمان فوافقهم عنده ، فأبى عثمان أن يعزله عنهم وأمره أن يرجع إلى عمله (٥) ، فخرج الأشتر من ليلته في نفر من أصحابه فسار عشر ليال إلى الكوفة ، واستولى عليها وصعد على المنبر فقال : هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أن هذا السواد بستان لأغيلمة من قريش ، والسواد مساقط رءوسكم ، ومراكز رماحكم ، وفيؤكم وفيء آبائكم فمن كان يرى لله عليه حقا فلينهض إلى الجرعة ، فخرج الناس فعسكروا بالجرعة (٦) ـ وهي بين الكوفة والحيرة ـ وأقبل سعيد بن العاص حتى نزل العذيب (٧) ، فدعا الأشتر يزيد بن قيس الأرحبي (٨) وعبد الله بن كنانة العبدي
__________________
(١) بالأصل : «لسعيد» والصواب ما أثبت ، عن م ، انظر ابن سعد.
(٢) بالأصل : ويسأله.
(٣) في ابن سعد : يزيد بن مكفّف.
(٤) ابن سعد : وأصغر.
(٥) بالأصل : «عقله» والمثبت عن ابن سعد.
(٦) الجرعة : موضع قرب الكوفة ، ويوم الجرعة هو يوم خرج فيه أهل الكوفة سعيد بن العاص وقت قدم عليهم واليا من قبل عثمان رضياللهعنه فردوه وولوا أبا موسى.
وضبطه العبدري بسكون الراء ، بين النجفة والحيرة (ياقوت).
(٧) العذيب : ماء بين القادسية والمغيثة ، بينه وبين القادسية أربعة أميال (ياقوت).
(٨) بالأصل : «الأرجي» والمثبت عن ابن سعد.