ـ وكانا محربين ـ فعقد لكل واحد منهما على خمسمائة فارس وقال لهما : سيرا إلى سعيد بن العاص فأزعجاه وألحقاه بصاحبه ، فإن أبى فاضربا عنقه ، وأتياني برأسه. فأتياه فقالا له : ارحل إلى صاحبك ، فقال : إبلي أنضاء (١) أعلفها أياما ونقدم المصر فنشتري حوائجنا ونتزود ثم أرتحل فقالا : لا والله ولا ساعة لترتحلن أو لنضربن عنقك ، فلما رأى الجد منهما ارتحل لا حقا بعثمان وأتيا الأشتر فأخبراه ؛ وانصرف الأشتر من معسكره إلى الكوفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : والله يا أهل الكوفة ما غضبت إلّا لله ولكم وقد ألحقنا هذا الرجل بصاحبه وقد وليت أبا موسى الأشعري صلاتكم وثغركم وحذيفة ابن اليمان على فيئكم ثم نزل وقال : يا أبا موسى اصعد. فقال أبو موسى : ما كنت لأفعل ، ولكن هلموا فبايعوا لأمير المؤمنين عثمان وجددوا له البيعة في أعناقكم فأجابه الناس إلى ذلك فقبل ولايتهم وجدّد البيعة لعثمان في رقابهم وكتب إلى عثمان بما صنع فأعجب ذلك عثمان ، وسرّه فقال عتبة بن الوغل (٢) شاعر أهل الكوفة :
تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب |
|
وأمّر علينا الأشعري لياليا |
فقال عثمان : نعم وشهورا وسنين إن بقيت.
وكان الذي صنع أهل الكوفة بسعيد بن (٣) العاص أول وهن دخل على عثمان حين اجترئ عليه ، ولم يزل أبو موسى واليا لعثمان على الكوفة حتى قتل عثمان ، ولم يزل سعيد بن العاص حين رجع عن الكوفة بالمدينة حتى وثب الناس بعثمان فحصروه ، فلم يزل سعيد في الدار معه يلزمه فيمن يلزمه ، لم يفارقه ويقاتل دونه.
قالوا (٤) : فلما خرج طلحة ، والزبير ، وعائشة من مكة يريدون البصرة خرج معهم سعيد بن العاص ، ومروان بن الحكم ، وعبد الرّحمن بن عتّاب بن أسيد ، والمغيرة بن شعبة ، فلما نزلوا مرّ الظّهران (٥) ـ ويقال : ذات عرق (٦) ـ قام سعيد بن العاص فحمد الله
__________________
(١) بالأصل : «أيضا» والمثبت عن ابن سعد.
(٢) في ابن سعد : عتبة بن الوعل التغلبي.
(٣) فوق كلمة «بن» علامة تحويل إلى الهامش ، وعلى الهامش كتب : «أبي» وبجانبها كلمة صح. والمثبت يوافق عبارة ابن سعد.
(٤) طبقات ابن سعد ٥ / ٣٤.
(٥) مرّ الظهران : واد قرب مكة ، فيه عيون كثيرة. (ياقوت).
(٦) ذات عرق : مهل أهل العراق وهو الحد بين نجد وتهامة ، وقيل : عرق : جبل بطريق مكة ومنه ذات عرق. (ياقوت).