فخرج يسير في البر فانتهى إلى ماء فلقيه عليه أربع نسوة فقمن إليه فقال : ما لكنّ ومن (١) أنتن؟ فقلن : بنات سفيان بن عويف ومعهن أمهن. فقالت أمهن : هلك رجالنا ، وإذا هلك الرجال ضاع نساؤهم ، فضعهن في أكفائهن ، فزوّج سعيد إحداهن ، وعبد الرّحمن بن عوف إحداهن ، والوليد بن عقبة إحداهن ، وأتينه (٢) بنات نعيم بن مسعود (٣) النّهشلي فقلن له : قد هلك رجالنا وبقي الصبيان فضعنا في أكفائنا ، فزوّج سعيد إحداهن ، وجبيرا بن مطعم إحداهن فشارك سعيد هؤلاء وهؤلاء ، وقد كان عمومته ذوي بلاء في الإسلام وسالفة حسنة وقدمة مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلم يمت عمر حتى كان سعيد من رجال الناس.
فقدم سعيد الكوفة في إمارة عثمان أميرا ، وخرج معه من مكة ـ أو المدينة ـ الأشتر وأبو حثمة (٤) الغفاري ، وجندب بن عبد الله ، وأبو صعب بن جثامة (٥) ، وكانوا فيمن شخص مع الوليد يعتبون عليه فرجعوا مع هذا ، فصعد سعيد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال : والله لقد بعثت إليكم وإنّي لكاره ، ولكن لم أجد بدا إذ أمرت أن أتّمر ، إلّا أن الفتنة قد أطلعت خطمها وعيبيها (٦) ، وو الله لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تعييني الله ، وإني لرائد نفسي اليوم ، ونزل ، فسأل عن أهل الكوفة ، فأقيم على حال أهلها.
فكتب إلى عثمان بالذي انتهى إليه أن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم ، وغلب أهل الشرف فيهم والبيوتات والسابقة والقدمة ، والغالب على تلك البلاد روادف ردفت ، وأعراب لحقت فلو وأحق طاعتنا حتى ما ننظر إلى ذي شرف فلا بلاء من نازلتها ولا نابتتها.
فكتب إليه عثمان : أما بعد ففضل أهل السابقة والقدمة ممّن فتح الله عليه تلك البلاد ، وليكن من نزلها بسببهم تبعا لهم ، إلّا أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام
__________________
(١) بالأصل : «وما أنتن» والمثبت عن الطبري.
(٢) كذا.
(٣) في الطبري : بنات مسعود بن نعيم النهشلي.
(٤) في الطبري : أبو خشة.
(٥) بالأصل : «وابن صعب بن حثامة» والمثبت عن الطبري.
(٦) الطبري : وعينيها.