فقلت مثل الذي قلت ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«من أعطي شيئا من غير سؤال ولا استشراف (١) نفس فإنه رزق من الله ، فليقبله ولا يردّه» فقال الرجل : أنت سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : نعم ، فقبله الرجل ثم أتى امرأته فقال : إن أمير المؤمنين أعطانا هذه الألف دينار ، فإن شئت أن نعطيه من يتّجر لنا به ، ونأكل الربح ، ويبقى لنا رأس مالنا ، وإن شئت أن نأكله الأوّل فالأوّل. فقالت المرأة : بل أعطه من يتّجر لنا ، فنأكل الربح ، ويبقى لنا رأس المال. قال : ففرّقيه صررا ، ففعلت ، فجعل كل ليلة يخرج صرة ، فيضعها في المساكين ذوي الحاجة ، فلم يلبث [الرجل](٢) إلّا يسيرا حتى توفي ، فأرسل عمر يسأل عن الألف ، فأخبرته امرأته بالذي كان يصنع ، فالتمسوا ذلك ، فوجدوا الرجل قدمها لنفسه ، ففرح بذلك عمر وسرّ ، وقال : يرحمهالله ، إن كان ذاك الظن به.
أخبرنا أبو علي الحداد في كتابه ، أنا أبو نعيم (٣) ، نا محمّد بن عبد الله ، نا الحسن بن علي بن نصير (٤) الطوسي ، نا محمّد بن عبد الكريم العبدي ، نا الهيثم بن عدي ، نا ثور بن يزيد ، نا خالد بن معدان ، قال :
استعمل علينا عمر بن الخطاب بحمص سعيد بن عامر بن حذيم (٥) الجمحي فلما قدم عمر بن الخطاب حمص قال : يا أهل حمص ، كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه ـ وكان يقال لأهل حمص : الكويفة (٦) الصغرى لشكايتهم العمال ـ قالوا : نشكو أربعا : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار ، قال : أعظم بها ، قال : وما ذا؟ قال : لا يجيب أحدا بليل ، قال : وعظيمة قال : وما ذا؟ قالوا : وله يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا ، قال : وعظيمة ، وما ذا؟ قالوا : يغبط الغبطة (٧) بين الأيام ـ يعني : تأخذه موتة ـ.
__________________
(١) بالأصل : استشواب ، والمثبت عن م.
(٢) زيادة للإيضاح عن م.
(٣) حلية الأولياء ١ / ٢٤٥.
(٤) كذا وفي الحلية «نصر» وانظر ترجمته في سير الأعلام ١٤ / ٢٨٧ و١٥ / ٦ تحت اسم : الحسن بن علي بن نصر بن منصور.
(٥) بالأصل : خذيم ، وفي الحلية : جذيم ، والذي أثبت يوافق ما مرّ بشأنه في ما تقدم أثناء الترجمة.
(٦) بالأصل : الكوفية ، والمثبت عن الحلية.
(٧) أغبطت عليه الحمى : دامت (اللسان : غبط) ، وفي الحلية : يغنظ الغنظة.