وأعلاه مدرة ، ثم بعث إلى سفيان بن عوف الغامدي ، فكتب له عهده ثم قال : ما أنت صانع بعهدي؟ قال : أتّخذه إماما ما أمّ الحرم فإذا خالفه خالفته. فقال معاوية : هذا والله الذي لا يكفكف من عجلة ، ولا يدفع في ظهره من بطء ، ولا يضرب على الأمر ضرب الجمل الثقال. قال : فخرج فاحتضر ، فاستعمل على الناس عبد الله (١) بن مسعود الفزاري فقال : يا ابن مسعود ، إن فتحا كثيرا وغنما عظيما أن ترجع بالناس لم ينكبوا ولم ينكوا فأقحم بالناس فنكب. فقال شاعر أهل الشام :
أقم يا ابن مسعود قناة قويمة (٢) |
|
كما كان سفيان بن عوف يقيمها |
وسم يا ابن مسعود مدائن قيصر |
|
كما كان سفيان بن عوف يسومها |
فلما رجع دخل على معاوية فقال :
أقم يا ابن مسعود قناة قويمة |
|
كما كان سفيان بن عوف يقيمها |
فقال : يا أمير المؤمنين إن عذري في ذلك أني ضممت إلى رجل لا يضمّ إلى مثله الرجال ، فقال معاوية : إنّ من فضلك عندي معرفتك بفضل من هو أفضل منك.
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ـ بقراءتي عليه ـ نا عبد العزيز بن أحمد ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا أبو القاسم بن أبي العقب ، أنا أحمد بن إبراهيم القرشي ، نا ابن عائذ ، نا الوليد بن مسلم ، نا إسماعيل بن عياش ، عن صفوان بن عمرو ، عن الفرج بن يحمد عن بعض أشياخه قال :
كنا مع سفيان بن عوف الغامدي شاتين بأرض الروم فلما صفنا دعا سفيان الخيول ، فاختار ثلاثة آلاف ، فأغار بنا على باب الذهب حتى فزع أهل القسطنطينية (٣) وضربوا بنواقيسهم ثم لقونا فقال : ما شأنكم يا معشر العرب؟ وما جاء بكم؟ قلنا : جئنا لنخرب مدينة الكفر ويخربها الله على أيدينا ، فقالوا : ما ندري أخطأتم الحساب ، أم كذب الكتاب ، أم استعجلتم القدر ، والله إنا لنعلم أنها ستفتح يوما ، ولكنا لا نرى هذا زمانها.
__________________
(١) في جمهرة ابن حزم ص ٢٥٥ عبد الرحمن.
(٢) البيت الأول في جمهرة ابن حزم ص ٢٥٦ برواية : قناة صليبة.
(٣) بالأصل : القسطنطينة ، والصواب ما أثبت.