فقالوا : نفعل ، فقدم عليهم ناس من تجارهم فبعثوا إليّ أنه قد قدم علينا تجار من تجارنا ، فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا [الخروج فآذونوني بهم. قالوا : نفعل ، فلما قضوا حوائجهم وأرادوا](١) الرحيل بعثوا إليّ بذلك ، فطرحت الحديد الذي في رجلي ولحقت بهم ، فانطلقت معهم حتى قدمت الشام ، فلما قدمتها. قلت : من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا : الأسقفّ (٢) صاحب الكنيسة فجئته فقلت : إني قد أحببت أن أكون معك في كنيستك ، وأعبد الله فيها معك ، وأتعلم منك الخير ، قال : فكن معي ، قال : فكنت معه ، وكان رجل سوء كان يأمرهم بالصدقة ويرغّبهم فيها ، فإذا جمعوها له اكتنزها ولم يعطها المساكين (٣) ، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيت من حاله ، فلم ينشب أن مات فلما جاءوا ليدفنوه. قلت لهم : إن هذا رجل سوء كان يأمركم بالصدقة ، ويرغبكم فيها حتى إذا جمعتموها ـ وقال رضوان : إذا ما جمعتموها ـ إليه اكتنزها ، ولم يعطها المساكين ، فقالوا : وما علامة ذلك؟ فقلت : أنا أخرج إليكم ـ وقال رضوان ؛ لكم ـ كنزه ، فقالوا : فهاته ، فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا فلما رأوا ذلك قالوا : والله لا يدفن أبدا فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه ، ولا والله يا ابن عباس ما رأيت رجلا قط لا يصلّي الخمس أرى انه أفضل منه ؛ أشد اجتهادا ولا أزهد في الدنيا ، ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه. ما أعلمني أحببت شيئا قط قبله ، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة ، فقلت : يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله وإني والله ما أحببت شيئا قط حبك فما ذا تأمرني ، وإلى من توصيني؟ فقال لي : أي بني (٤) والله ما أعلمه إلّا رجل بالموصل فأته فإنك ستجده على مثل حالي ؛ فلما مات وغيب لحقت بالموصل فأتيت صاحبها فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة في الدنيا فقلت له : إن فلانا أوصاني إليك أن آتيك فأكون معك ، قال : فأقم أي بني ، فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة ، فقلت له إن فلانا أوصاني إليك ، وقد حضرك من أمر الله ما
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن م ، وانظر سيرة ابن إسحاق ص ٦٧ وتاريخ بغداد ودلائل البيهقي.
(٢) بتشديد الفاء ويقال بتخفيفها ، عالم النصارى الذي يقيم لهم أمر دينهم.
(٣) في تاريخ بغداد : ولم يعط المساكين شيئا.
(٤) عن سيرة ابن إسحاق وبالأصل : شيء.