فإن كان إنما استدل على عجمته بقوله للخشب خشبان ، وهذا في اللغة صحيح جيد ، وله مخرجان :
أحدهما أن يجعله جمعا لخشب فيكون جمع الجمع مثل جمل وجملان ، وسلق وسلقان ونحوه مما جاء على فعل ساكن العين سمن وسمنان ، وبطن وبطنان.
والمخرج الآخر : أن يجمع خشبة فيقول خشب ساكنة الشين ثم يزيد الألف والنون فتقول خشبان كما تقول سود ثم تقول سودان ، وحمر ثم تقول حمران ولا أدري ممن سمعت في صفة قتلى :
كأنهم بجنوب القاع خشبان (١)
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو علي بن صفوان ، أنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، نا أبو بكر محمّد بن سهل التميمي ، نا عبد الرّزّاق ، أنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس قال : دخل عبد الله بن مسعود ، وسعد على سلمان عند الموت؟ فبكى فقيل له : ما يبكيك يا أبا عبد الله أجزع من الموت قال : لا ولكن عهد إلينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهدا لم نحفظه قال : ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب.
أخبرنا أبو الحسين عبد الرّحمن بن عبد الله بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو عبد الله ، أنا أبو الحسن الرّبعي ، أنا أبو علي الحسن بن عبد الله بن سعيد ، نا محمّد بن تمام ، نا مؤمّل ـ هو ـ ابن اهاب ، نا عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس قال :
دخل سعد على سلمان يعوده فوجده يبكي ، قال : ما يبكيك أبا عبد الله ألست قد صحبت النبي صلىاللهعليهوسلم؟ ألست؟ ألست (٢)؟ قال : ما أبكاني صبابة الدنيا ولا كراهية الآخرة ، ولكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد إلينا عهدا فلا أراني إلّا قد تعدّيت ، قال : وما عهد إليكم؟ قال : عهد إلينا أن يكون زاد أحدنا من الدنيا كزاد الراكب ، وما أراني إلّا قد تعدّيت ، وأما أنت يا سعد فاتق الله في حكمك إذا حكمت ، وفي قسمك إذا قسمت.
__________________
(١) الشعر في اللسان بدون نسبة (اللسان : خشب).
(٢) استدركت عن هامش الأصل وبجانبها كلمة صح.