الثالث : [إنّ المسألة اصوليّة]
أنّه حيث كانت نتيجة هذه المسألة (١) ممّا يقع في طريق الاستنباط (٢) كانت المسألة من المسائل الاصوليّة ، لا من مبادئها الأحكاميّة ولا التصديقيّة ، ولا من المسائل الكلاميّة ، ولا من المسائل الفرعيّة (٣) ، وإن كانت فيها جهاتها ، كما
__________________
ـ لأنّ الحاكم بالجواز أو الامتناع إنّما هو العقل. والبحث في تلك المسألة لفظيّ ، لأنّ المبحوث عنه هناك أنّ النهي المتعلّق بالعبادة هل يدلّ على فسادها أم لا؟
وناقش فيه المصنّف بوجهين :
الأوّل : أنّ مجرّد كون الجواز أو عدمه عقليّا وكون البحث في مسألة النهي عن العبادة لفظيّا ـ ما لم يرجع إلى تعدّد جهة البحث ـ لا يوجب إلّا التفصيل في المسألة الواحدة ، بأن يقال : «النهي عقلا لا يجتمع مع الأمر ، ولفظا يدلّ على الفساد» ، أو يقال : «النهي عقلا لا يجتمع مع الأمر ، ولفظا يدلّ على الفساد».
الثاني : أنّه سيجيء أنّ الجهة المبحوث عنها في تلك المسألة هي ثبوت الملازمة بين حرمة العبادة وفسادها وعدم ثبوت الملازمة. ومن الواضح أنّ البحث عن تلك الجهة لا يختصّ بما إذا كانت الحرمة مدلولا لدليل لفظيّ ، بل يعمّ الجميع.
(١) وهي جواز الاجتماع أو امتناعه.
(٢) فيقال ـ مثلا ـ : «الصلاة في الدار المغصوبة ممّا اجتمع فيه الأمر والنهي ، وكلّما اجتمع فيه الأمر والنهي فهو صحيح ـ على الجواز ـ ، فهذه الصلاة صحيحة». أو يقال : «الصلاة في الدار المغصوبة ممّا اجتمع فيه الأمر والنهي ، وكلّما اجتمع فيه الأمر والنهي فهو باطل ـ على الامتناع وترجيح جانب النهي ـ ، فهذه الصلاة باطلة».
(٣) اعلم أنّ في مسألتنا هذه وجوه ، بل أقوال :
الأوّل : أنّها من المسائل الفقهيّة ، لأنّ البحث في هذه المسألة يرجع إلى البحث عن عوارض فعل المكلّف ، وهي صحّة العبادة في المجمع ـ كالصلاة في الدار المغصوبة ـ أو فسادها فيه.
وهذا القول لم أجد من صرّح بذلك.
وفيه : أنّ البحث في هذه المسألة ليس عن صحّة العبادة وفسادها ابتداء كي تكون من المسائل الفقهيّة ، بل إنّما يبحث فيها عن جواز الاجتماع وامتناعه. وأمّا الصحّة والفساد فيترتّبان على القول بالجواز والامتناع.
الثاني : أنّها من المسائل الكلاميّة ، لأنّ البحث فيها عن استحالة اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد وإمكانه عقلا. والبحث عن الاستحالة والإمكان يناسب المسائل الكلاميّة. ـ