[قيام الأمارات مقام القطع الطريقيّ]
ثمّ لا ريب في قيام الطرق والأمارات المعتبرة ـ بدليل حجيّتها واعتبارها ـ مقام هذا القسم (١). كما لا ريب في عدم قيامها بمجرّد ذلك الدليل مقام ما اخذ في الموضوع على نحو الصفتيّة من تلك الأقسام ، بل لا بدّ من دليل آخر على التنزيل ، فإنّ قضيّة الحجّيّة والاعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجّة من الآثار ، لا له (٢) بما هو صفة وموضوع ، ضرورة أنّه كذلك يكون كسائر الموضوعات والصفات (٣).
__________________
ـ وهذا خلف. أجود التقريرات ٢ : ٥.
وأنكر المحقّق الأصفهانيّ أخذ القطع موضوعا بنحو الصفتيّة مطلقا. وذلك لأنّ قوام القطع بكاشفيّته التامّة ، فأخذه في الموضوع مع إلغاء جهة كشفه غير معقول ، فإنّ حفظ الشيء مع الغاء ما به هو هو محال ، نظير حفظ الإنسان بما هو إنسان مع قطع النظر عن الإنسانيّة. نهاية الدراية ٢ : ٥٧.
وذهب السيّد الإمام الخمينيّ إلى أن القطع الموضوعيّ ينقسم إلى ستّة أقسام. وذلك لأنّ القطع إذا أخذ بنحو الموضوعيّ الطريقيّ لا يخلو : إمّا أن يؤخذ تمام الموضوع ، وإمّا أن يؤخذ بعض الموضوع. وعلى كلا التقديرين إمّا أن يؤخذ بنحو الصفتيّة ، وإمّا أن يؤخذ بنحو الطريقيّة التامّة والكشف الكامل ، وإمّا أن يؤخذ بنحو الطريقيّة المشتركة بينه وبين سائر الأمارات. أنوار الهداية ١ : ٩٣ ـ ٩٤.
فمحصّل الكلام : أنّ أقسام القطع لدى المصنّف رحمهالله والمحقّق العراقيّ خمسة ، وعند المحقّق النائينيّ أربعة ، وعند المحقّق الأصفهانيّ ثلاثة ، ولدى الإمام الخمينيّ ستّة.
(١) أي القسم الأوّل ، وهو القطع الطريقيّ. والوجه في ذلك : أنّ مقتضى اعتبار الأمارات أنّها طرق لإحراز الواقع ، فيؤثّر في التنجيز في صورة الإصابة والتعذير عند الخطاء ، وهذا هو معنى حجّيّة الأمارات. ولا شكّ أنّ القطع أيضا حجّة بمعنى أنّه منجّز في صورة الإصابة ومعذّر عند الخطأ. فيترتّب أثر القطع على الأمارات. وما معنى لقيامها مقام القطع إلّا ترتيب أثره عليها.
(٢) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «لا ما له ...».
(٣) وتوضيح ما أفاده : أنّ المراد من قيام الأمارات مقام القطع هو ترتيب آثار القطع على الأمارة. ومعلوم أنّ الآثار ـ كالمنجّزيّة والمعذّريّة ـ إنّما تترتّب على القطع بما أنّه كاشف عن الواقع ، ولا تترتّب عليه بلحاظ كونه صفة من الصفات النفسانيّة. فإنّه بهذا اللحاظ كسائر الصفات النفسانيّة أجنبيّ عنها. فقيام الأمارات مقام القطع الموضوعيّ المأخوذ بنحو الوصفيّة يحتاج إلى دليل آخر.