ثمّ لا يذهب عليك : أنّ التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعليّا ، وما لم يصر فعليّا لم يكد يبلغ مرتبة التنجّز واستحقاق العقوبة على المخالفة ، وإن كان ربما توجب موافقته استحقاق المثوبة. وذلك لأنّ الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بأمر ولا نهي ، ولا مخالفته عن عمد بعصيان ، بل كان ممّا سكت الله عنه ، كما في الخبر (١) ، فلاحظ وتدبّر.
نعم ، في كونه بهذه المرتبة (٢) موردا للوظائف المقرّرة شرعا للجاهل إشكال لزوم اجتماع الضدّين أو المثلين ، على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى مع ما هو التحقيق في دفعه ، في التوفيق بين الحكم الواقعيّ والظاهريّ (٣) ، فانتظر.
الأمر الثاني
[التجرّي والانقياد] (٤)
قد عرفت أنّه لا شبهة في أنّ القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة في صورة الإصابة. فهل يوجب استحقاقها (٥) في صورة
__________________
(١) روي عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام : «إنّ الله حدّ حدودا فلا تعتدوها ، وفرض فرائض فلا تنقصوها ، وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تكلّفوها ، رحمة من الله لكم فاقبلوها». الوسائل ١٨ : ١٢٩ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦١.
(٢) أي : في كون الحكم بالمرتبة الفعليّة ...
(٣) يأتي في الصفحة : ٢٨٥ ـ ٢٨٧ من هذا الجزء.
(٤) التجرّي من الجرأة بمعنى الإقدام على الشيء ، أو من الجري بمعنى القصد إلى الشيء.
والانقياد مطاوع قاد ، ومعناه : الخضوع. لسان العرب ١ : ٤٤ و ٢ : ٢٣٨.
والمراد من التجرّي في المقام هو المخالفة الاعتقاديّة ، كما أنّ المراد من الانقياد هو الموافقة الاعتقاديّة. وبتعبير أوضح : أنّ المراد من التجرّي في المقام هو مخالفة المكلّف لما اعتقد به من الحكم الإلزاميّ ولم يكن مصادفا للواقع ، كما إذا شرب المائع الّذي قطع بخمريّته فخالف أمر مولاه ثمّ تبيّن أنّ ذلك المائع ماء. والمراد من الانقياد هو موافقته لما اعتقد به من الحكم ولم يكن مصادفا للواقع.
(٥) أي : استحقاق العقوبة.