الأمر السادس
[حجّيّة قطع القطّاع]
لا تفاوت في نظر العقل أصلا فيما رتّب على القطع من الآثار عقلا بين أن يكون حاصلا بنحو متعارف ومن سبب ينبغي حصوله منه ، أو غير متعارف لا ينبغي حصوله منه ـ كما هو الحال غالبا في القطّاع ـ ، ضرورة أنّ العقل يرى تنجّز التكليف بالقطع الحاصل ممّا لا ينبغي حصوله ، وصحّة مؤاخذة قاطعه على مخالفته ، وعدم صحّة الاعتذار عنها بأنّه حصل كذلك ، وعدم صحّة المؤاخذة مع القطع بخلافه ، وعدم حسن الاحتجاج عليه بذلك ولو مع التفاته إلى كيفيّة حصوله.
نعم ، ربما يتفاوت الحال في القطع المأخوذ في الموضوع شرعا ، والمتّبع في عمومه وخصوصه دلالة دليله في كلّ مورد ؛ فربما يدلّ على اختصاصه بقسم في مورد ، وعدم اختصاصه به في آخر ، على اختلاف الأدلّة واختلاف المقامات ، بحسب مناسبات الأحكام والموضوعات وغيرها من الأمارات.
وبالجملة : القطع فيما كان موضوعا عقلا لا يكاد يتفاوت من حيث القاطع ، ولا من حيث المورد ، ولا من حيث السبب ، لا عقلا وهو واضح ، ولا شرعا ، لما عرفت (١) من أنّه لا تناله يد الجعل نفيا ولا إثباتا وإن نسب إلى بعض الأخباريّين (٢) : «أنّه لا اعتبار بما إذا كان بمقدّمات عقليّة». إلّا أنّ مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة ، بل تشهد بكذبها (٣) ، وأنّها إنّما تكون إمّا في مقام منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شيء وحكم الشرع بوجوبه ، كما ينادي به بأعلى صوته
__________________
(١) في الأمر الأوّل ، الصفحة : ٢٣٣ من هذا الجزء.
(٢) كالمحدّث الأسترآباديّ في الفوائد المدنيّة : ١٢٩ ، والمحدّث الجزائريّ في شرح التهذيب ـ على ما في فرائد الاصول ١ : ٥٤ ـ ، والمحدّث البحرانيّ في الحدائق الناضرة ١ : ١٣٢.
(٣) لا يخفى : أنّ كلام جملة منهم صريح في عدم جواز العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنّة. فراجع ما استقصى الشيخ الأنصاريّ من كلماتهم في فرائد الاصول ١ : ٦١ ـ ٦٥.