نعم ، لو كان كلّ منهما متكفّلا للحكم الفعليّ (١) لوقع بينهما التعارض (٢) ، فلا بدّ من ملاحظة مرجّحات باب المعارضة لو لم يوفّق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائيّ بملاحظة مرجّحات باب المزاحمة. فتفطّن.
التاسع : [ما يتعلّق بدليل الحكمين إثباتا]
إنّه قد عرفت أنّ المعتبر في هذا الباب أن يكون كلّ واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهيّ عنها مشتملة على مناط الحكم مطلقا حتّى في حال الاجتماع.
فلو كان هناك ما دلّ على ذلك من إجماع أو غيره فلا إشكال. ولو لم يكن إلّا إطلاق دليلي الحكمين ففيه تفصيل ، وهو : أنّ الإطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائيّ (٣) لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع ، فيكون من هذا الباب. ولو كان بصدد الحكم الفعليّ فلا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز إلّا إذا علم إجمالا بكذب أحد الدليلين ، فيعامل معهما معاملة المتعارضين ؛ وأمّا على القول بالامتناع : فالإطلاقان متنافيان من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد
__________________
ـ وأنكر السيّد الإمام الخمينيّ وجود أيّ ارتباط بين مسألة التعارض ومسألة اجتماع الأمر والنهي ، لأنّ موضوع باب التعارض هو الخبران المختلفان ، والمناط في الاختلاف هو الفهم العرفيّ ، والجمع هناك عرفيّ لا عقليّ. وأمّا في مسألتنا هذه فالجمع عقليّ والجمع العقليّ ليس من وجوه الجمع في باب التعارض حتّى يشتبه المجمع بين البابين. مناهج الوصول ٢ : ١١٧ ـ ١١٨.
(١) حتّى في حال الاجتماع ، بأن يدلّ دليل وجوب الصلاة ـ مثلا ـ على وجوبها حتّى في الدار المغصوبة ، ويدلّ دليل حرمة الغصب ـ مثلا ـ على حرمته حتّى في حال الصلاة.
(٢) إذ بناء على الامتناع يستحيل فعليّة الحكمين ، فيعلم إجمالا بكذب أحدهما ، فيجري عليهما حكم التعارض لو لم يمكن الجمع العرفيّ بينهما ـ بحمل أحدهما على الاقتضائيّ ـ ولو بقرينة أهمّيّة أحدهما بالنسبة إلى الآخر.
(٣) أي : دلّ أحدهما على المصلحة في متعلّقة والآخر على المفسدة في متعلّقة.