ودعوى العلم الإجماليّ بوقوع التحريف فيه بنحو إمّا بإسقاط أو تصحيف (١) وإن كانت غير بعيدة ، كما يشهد به بعض الأخبار (٢) ويساعده الاعتبار ، إلّا أنّه لا يمنع عن حجّيّة ظواهره ، لعدم العلم بوقوع خلل فيها بذلك أصلا. ولو سلّم فلا علم بوقوعه في آيات الأحكام. والعلم بوقوعه فيها أو في غيرها من الآيات ، غير ضائر بحجّيّة آياتها ، لعدم حجّيّة ظاهر سائر الآيات. والعلم الإجماليّ بوقوع الخلل في الظواهر إنّما يمنع عن حجّيّتها إذا كانت كلّها حجّة ، وإلّا لا يكاد ينفكّ ظاهر عن ذلك ، كما لا يخفى ، فافهم.
نعم لو كان الخلل المحتمل فيه أو في غيره بما اتّصل به لأخلّ بحجّيّته ، لعدم انعقاد ظهور له حينئذ ، وإن انعقد له الظهور لو لا اتّصاله.
[اختلاف القراءة يمنع عن التمسّك بظاهر الكتاب]
ثمّ إنّ التحقيق أنّ الاختلاف في القراءة بما يوجب الاختلاف في الظهور ـ مثل «يطهرن» بالتشديد والتخفيف (٣) ـ يوجب الإخلال بجواز التمسّك والاستدلال ، لعدم إحراز ما هو القرآن ، ولم يثبت تواتر القراءات ولا جواز الاستدلال بها ، وإن نسب إلى المشهور تواترها ، لكنّه ممّا لا أصل له ، وإنّما الثابت جواز القراءة بها ، ولا ملازمة بينهما (٤) ، كما لا يخفى.
ولو فرض جواز الاستدلال بها فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها بعد كون
__________________
(١) لم أظفر على من ادّعاه من المحدّثين.
(٢) راجع بحار الأنوار ٨٩ : ٤٠ ، باب ما جاء في كيفيّة جمع القرآن وما يدلّ على تغييره.
(٣) في قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) (يطهّرن) (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) (تطهّرن) (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) البقرة / ٢٢٢.
فإنّ الظاهر على قراءته بالتشديد من «التطهّر» إرادة الاغتسال من حدث الحيض ، وعلى قراءته بالتخفيف من «الطهر» إرادة النقاء من الدم وانقطاعه ، فيختلف الحكم باختلاف القراءتين.
(٤) أي : بين جواز القراءة وجواز الاستدلال بها.