وبذلك (١) انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضا ؛ مع أنّه يلزم منه اجتماع الضدّين اعتقادا مطلقا ، وحقيقة في صورة الإصابة ، كما لا يخفى (٢).
__________________
(١) أي : بما ذكرنا من أنّ وجوب متابعة القطع ومنجّزيّته من اللوازم العقليّة.
(٢) لا يخفى عليك : أنّ البحث في المقام يقع في جهات ثلاث :
الأولى : في أنّ طريقيّة القطع للكشف عن المقطوع به ذاتيّة أو جعليّة؟
الثانية : في أنّ وجوب متابعته ـ بمعنى استحقاق العقاب على مخالفته ـ هل هو ثابت شرعا أو ثابت ببناء العقلاء ويكون أمرا جعليّا عقلائيّا أو هو من اللوازم العقليّة للقطع؟
الثالثة : في أنّه هل يمكن للشارع المنع عن العمل به أو لا؟
أمّا الجهة الأولى : فلا شكّ في أنّ طريقيّة القطع ذاتيّة ، لا تنالها يد الجعل ، ضرورة أنّ حقيقة القطع هي نفس الانكشاف ، فلا يعقل الجعل فيه بجميع أنحائه ، فإنّ ثبوت الشيء لنفسه ضروريّ.
وأمّا الجهة الثانية : فاستظهر السيّد البروجرديّ من كلام الشيخ الأنصاريّ أنّ وجوب متابعة القطع وجوب شرعيّ. فرائد الاصول ٢ : ٣٠ ، لمحات في الاصول : ٤٢٢.
وذهب المصنّف رحمهالله إلى أنّ وجوب متابعته من لوازمه العقليّة ، حيث قال : «وتأثيره في ذلك لازم ، والوجدان به شاهد وحاكم».
وذهب المحقّق الاصفهانيّ إلى أنّ وجوب متابعته ـ بمعنى إذعان العقل باستحقاق العقاب على مخالفة ما تعلّق به القطع ـ ثابت ببناء العقلاء حفظا للنظام وإبقاء للنوع من باب أنّ مخالفة الأمر خروج عن زيّ الرقّيّة والعبوديّة وتكون هتكا للمولى وظلما به. فيكون وجوب متابعة القطع ـ بمعنى تنجّز التكليف واستحقاق العقاب ـ من القضايا المشهورة الّتي تطابقت عليها آراء العقلاء ، فيكون أمرا جعليّا عقلائيّا. نهاية الدراية ٢ : ٣١ و ٣٤ ـ ٣٥ و ٤١ ـ ٤٢.
وأمّا الجهة الثالثة : فذهب المصنّف رحمهالله إلى أنّه يمتنع المنع عن تأثيره ، وذلك لوجهين :
الأوّل : أنّه إذا فرض أنّ وجوب متابعة القطع من لوازمه العقليّة ، فيمتنع رفعه ، لامتناع التفكيك بين الشيء ولوازمه.
الثاني : أنّه لا معنى للمنع عن تأثير القطع إلّا نفي وجوب متابعته ، وهو مساوق للجواز. فإذا تعلّق قطع القاطع بحرمة شيء ـ مثلا ـ وردع الشارع عن تأثير قطعه كان مقتضى ردعه جواز ذلك الشيء. ومعلوم أنّ الحرمة والجواز متضادّان. وحينئذ لا يخلو : إمّا أن يكون قطعه مطابقا للواقع فيلزم اجتماع الضدّين باعتقاد القاطع وحقيقة. وإمّا أن لا يكون قطعه مطابقا للواقع فيلزم اجتماع الضدّين باعتقاد القاطع.
ومن هنا يظهر : أنّ مراد المصنّف رحمهالله من قوله : «اعتقادا مطلقا» أنّه يلزم منه اجتماع الضدّين ، سواء كان قطعه مطابقا للواقع أو لم يكن مطابقا له.