والاستمرار الّذي يكون بحسبه محلّا للتكليف (١).
ثمّ إنّه لا دلالة لصيغته على الدوام والتكرار ، كما لا دلالة لصيغة الأمر ، وإن كان قضيّتهما عقلا تختلف ولو مع وحدة متعلّقهما ؛ بأن يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلّق بها الأمر مرّة والنهي اخرى (٢) ، ضرورة أنّ وجودها يكون بوجود فرد واحد وعدمها لا يكاد يكون إلّا بعدم الجميع ، كما لا يخفى (٣).
__________________
ـ قبل وجوده معدوم بالعدم الأزليّ ، والعدم الأزليّ خارج عن حيّز القدرة لكونه سابقا على وجود المكلّف ، فلو تعلّق به التكليف لزم تعلّقه بأمر غير مقدور.
(١) وهذا جواب عن الاستدلال المذكور. وحاصله : أنّ العدم الأزليّ وإن كان بحسب ذاته غير مقدور ـ إمّا لكونه سابقا على وجود المكلّف ، وإمّا لكونه محض البطلان ـ ، لكن المكلّف قادر على إيجاد الشيء ، ولازمه قطع استمرار العدم ، كما أنّه قادر على إيجاده ولازمه استمرار العدم ، والقدرة على الملزوم قدرة على اللازم ، وهذا المقدار من القدرة كاف في صحّة تعلّق النهي بالعدم.
(٢) كأن يقول المولى : «صلّ صلاة الجمعة في زمان الحضور ولا تصلّها في عصر الغيبة».
(٣) لا إشكال في أنّ مقتضى النهي يختلف مقتضى الأمر لدى العقلاء ، سواء تعدّد متعلّقهما أو اتّحد ، فإنّ الأمر إذا تعلّق بطبيعة يكتفى في امتثاله بإتيان فرد واحد ، بخلاف النهي ، فإنّه إذا تعلّق بطبيعة فلا يمتثل إلّا بترك جميع أفراده.
وإنّما الخلاف في بيان الوجه في ذلك :
فذهب المصنّف رحمهالله إلى أن هذا الاختلاف يرجع إلى حكم العقل في مقام الامتثال ، لأنّ المطلوب في باب الأمر وجود الطبيعة ، ومقتضى العقل أنّها توجد بوجود فرد واحد منها ؛ والمطلوب في باب النهي ترك الطبيعة ، ومقتضى العقل أنّ تركها لا يتحقّق إلّا بترك جميع الأفراد.
وذهب المحقّق الأصفهانيّ ـ بعد المناقشة فيما أفاد المصنّف رحمهالله ، بدعوى أنّ الطبيعة كما توجد بوجود فرد منها كذلك تنتفي بانتفائه ، ولا مقابلة بين الطبيعة الملحوظة على نحو تتحقّق بتحقّق فرد منها والطبيعة على نحو تنتفي بانتفاء جميع أفرادها ـ إلى أنّ المنشأ حقيقة ليس شخص الطلب المتعلّق بعدم الطبيعة كذلك ، بل سنخ الطلب الّذي لازمه تعلّق كلّ فرد من الطلب بفرد من طبيعة العدم عقلا ، بمعنى أنّ المولى ينشئ النهي بداعي المنع نوعا عن الطبيعة بحدّها الّذي لازمه إبقاء العدم بحدّه على حاله ، فتعلّق كلّ فرد من الطلب بفرد من العدم ـ تارة بلحاظ الحاكم ، واخرى بحكم العقل ـ لأجل جعل الملازمة بين سنخ الطلب وطبيعيّ العدم بحدّه. نهاية الدارية ١ : ٥٠٨ ـ ٥٠٩. ـ