فاعبده ، ولا تعبد هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، فقال : إن كان كما تقول فهو قادر على أن يرزقك ببلدك ، فلم تعنيت (١) إلى ما هاهنا للتجارة ، فانتبه شقيق ، وأخذ في طريق الزهد.
وقيل (٢) : كان سبب زهده أنه رأى مملوكا يلعب ويمرح في زمان قحط ، [و] كان الناس مهتمين ، فقال له شقيق : ما هذا النشاط الذي فيك؟ ألا ترى ما فيه الناس من الحزن والقحط؟ فقال ذلك المملوك : وما علي من ذلك ولمولاي قرية خالصة يدخل منها له ما يحتاج نحن إليه ، فانتبه شقيق وقال : إن كان لمولاه قرية خالصة ، ومولاه مخلوق فقير ، ثم إنه يهتم لرزقه ، فكيف أن يهتم (٣) المسلم لأجل الرزق ومولاه غني.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأ أبو الحسن رشأ بن نظيف ، أنبأ الحسن بن إسماعيل ، أنبأ أحمد بن مروان ، ثنا أحمد بن محمّد الواسطي ، ثنا ابن خبيق ، عن خلف بن تميم قال :
التقى إبراهيم بن أدهم وشقيق بمكة ، فقال إبراهيم لشقيق : ما بدو أمرك الذي بلغك هذا؟ فقال : سرت في بعض الفلوات فرأيت طيرا مكسور الجناحين في فلاة من الأرض ، فقلت : انظر من أن يرزق ، فقعدت بحذائه فإذا أنا بطير قد أقبل في منقاره جرادة فوضعها في منقار الطير المكسور الجناحين ، فقلت في نفسي : يا نفس الذي قيّض هذا الطائر الصحيح لهذا الطائر المكسور الجناحين في فلاة من الأرض هو قادر أن يرزقني حيث ما كنت ، فتركت التكسّب واشتغلت بالعبادة ، فقال له إبراهيم : يا شقيق ولم لا تكون أنت الطير الصحيح الذي أطعم العليل حتى يكون (٤) أفضل منه؟ أما سمعت من النبي صلىاللهعليهوسلم : «اليد العليا خير من اليد السفلى ، ومن علامة المؤمن أن يطلب أعلى الدرجتين في أموره كلها حتى يبلغ منازل الأبرار» ، قال : فأخذ يد إبراهيم وقبّلها ، وقال له : أنت أستاذنا يا أبا إسحاق [٥٠٢٧].
أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد ، أنبأ أبو نعيم أحمد بن عبد الله (٥) ، ثنا أبو بكر
__________________
(١) الرسالة القشيرية : فلما أتعبت نفسك بالمجيء إلى هاهنا للتجارة.
(٢) المصدر السابق ص ٣٩٧.
(٣) في الرسالة القشيرية : ثم انه لا يهتم لرزقه ، فكيف ينبغي أن يهتم ...
(٤) بالأصل : يكون.
(٥) بالأصل : «عبد» والصواب ما أثبت وهو صاحب كتاب حلية الأولياء ، وانظر الخبر فيها ٨ / ٥٩.