بطني من عوار؟ قال : فقال الرجل : لا ، فقال وهيب : مذ خرج السّودان فإني لم آكل من فواكه مكة ، قال : فقال الرجل : فإنك تأكل من طعام مصر ، وإن مصر خبيثة ، قال : فقال وهيب : عليّ عهد الله وميثاقه أن لا آكل طعاما حتى تكون الميتة لي حلالا ، قال : فكان يجوّع نفسه ثلاثة أيام ، فإذا أراد أن يفطر قال : اللهمّ إنك تعلم أني أخشى ضعف العبادة ، وإلّا أني لم آكله ، اللهمّ ما كان فيه من خبيث أو حرام فلا تؤاخذني به ، ثم يبلّه بالماء فيأكله.
قال : فدخل بعد العشاء ليفطر ، فإذا هو بصاحب نفسه ، قال شقيق : فاستأذنّا فأذن لنا ، فقلنا له : من تنازع؟ قال : أسمعتم؟ قلنا : نعم ، قال : كنت من أول أمس صائما ، فلما دخلت البيت بعد العشاء لأفطر فقالت نفسي يزاد الملح فتركته وخرجت فأنا اليوم صائم ، فلما كان عند الظهر قالت نفسي : ما أحسن الرغيف لو أكلته ، قلت : إني صائم ، فلما دخلت البيت بعد العشاء لأفطر فإذا نفسي تطاوعني ونسي المرقة والملح فكيف أزهد نفسي نعيم الدنيا ولذاتها ، وأرغبها نعيم الجنة وخلودا لا موت فيها ، فهكذا فاصنعوا إخواني رحمكم الله.
أنبأنا أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل ، أنبأ محمّد بن يحيى المزكي ، أنبأ أبو عبد الرّحمن السلمي ، قال : سمعت الحسن بن يحيى يقول : سمعت جعفر (١) الخالدي يقول : سمعت أبا سعيد الزنادي يقول : سمعت ابن إسماعيل الأصبهاني يقول : [سمعت](٢) أبا تراب يقول : سمعت حاتما يقول : سمعت شقيقا يقول : أدركت الناس يتكلمون في الفقر وخبز معلق لكل ليلة ، ووجدت أهل دمشق يتكلمون ويسمّون الفطرية ولم أصل إلى شيء من علمهم ورأيت بمصر طبقة ، ولم تعجبني ، ورأيت أهل بغداد يصفون أحوال العارفين ، ولست أعلم أن أحدا يصلي إلى ما يقولون.
قال : وأنبأ أبو عبد الرّحمن ، ثنا محمّد بن العباس الضبّي ، أخبرني محمّد بن علي بن الحسين ، ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن موسى الحافظ ، ثنا محمّد بن أبان المستملي ، قال : سمعت شقيق بن إبراهيم يقول (٣) : أخذت العبادة من عبّاد بن
__________________
(١) كذا.
(٢) زيادة منا للإيضاح.
(٣) الخبر في سير الأعلام ٩ / ٣١٥.