بكر بن أبي مريم الغسّاني ، عن ضمرة ـ يعني ابن حبيب ـ أن أبا ريحانة استأذن صاحب مسلحته إلى الساحل إلى أهله ، فأذن له ، فقال له الوالي : كم تريد أن أؤجلك؟ قال : ليلة ، فأقبل أبو ريحانة ، وكان منزله في بيت المقدس ، فبدأ بالمسجد قبل أن يأتي أهله فافتتح بسورة ، فقرأها ، ثم أخرى ، فلم يزل على ذلك حتى أدركه الصبح وهو في المسجد لم يرمه ولم يأت أهله ، فلمّا أصبح دعا بدابته فركبها متوجها إلى مسلحته ، فقيل له : يا أبا ريحانة إنما استأذنت لتأتي أهلك ، فلو مضيت حتى تأتيهم ثم تنصرف إلى صاحبك ، قال : إنما أجّلني أميري ليلة ، وقد مضت ليلة ، لا أكذت ولا أحلف ، فانصرف إلى مسلحته ، ولم يأت أهله.
قال : نا أيضا ـ يعني أبا بكر بن أبي مريم ـ حدّثني حبيب بن عبيد :
أن أبا ريحانة كان مرابطا بالجزيرة بميّافارقين (١) فاشترى رسنا من نبطي من أهلها بأفلس ، فقفل أبو ريحانة ولم يذكر الفلوس أن يدفعها إلى صاحبها حتى انتهى (٢) إلى عقبة (٣) الرّستن.
قال أبو بكر : وهي من حمص على اثني عشر ميلا ، فذكرها ، فقال لغلامه : هل دفعت إلى صاحب الرسن فلسه؟ قال : لا ، قال : فنزل عن دابته فاستخرج نفقة من نفقته فدفعها إلى غلامه وقال لأصحابه : أحسنوا معاونته على دوابي حتى يبلغ أهلي ، قالوا : فما ذا الذي تريد؟ قال : انصرف إلى بيعي حتى أدفع له فلوسه فأؤدي أمانتي ، فانصرف حتى أتى ميّافارقين ، فدفع الفلوس إلى صاحب الرسن ثم انصرف إلى أهله.
قال وأنبأ أيضا ـ يعني أبا بكر بن أبي مريم ـ حدّثني حبيب بن عبيد :
أن أبا ريحانة مرّ بحمص ، فسمع (٤) ضوضاء شديدة فقال لأصحابه : ما |
|
هذه الضوضاء؟ قالوا : أهل حمص (٥) فرفع ضبعيه فلم يزل يدعو : اللهمّ لا |
تجعلها لهم فتنة إنك على [كل](٦) شيء قدير ، فلم يزل على ذلك حتى انقطع عنهم
__________________
(١) ميافارقين : أشهر مدينة بديار بكر (ياقوت ، وضبطها بفتح أوله وتشديد ثانيه ثم فاء).
(٢) بالأصل : انتهت والصواب عن الإصابة.
(٣) بالأصل : عنقه ، والصواب عن مختصر ابن منظور ١٠ / ٣٣٦ والإصابة ٢ / ١٥٧.
(٤) بياض بالأصل.
(٥) بياض بالأصل.
(٦) زيادة لازمة منا.