أخذت له بحقه وأمر للحكيم بجائزة سنية فأبي أن يقبل ، وقال : يا أمير المؤمنين أنا احتسب سفري على الله ، وأكره أن آخذ عليه من غيره أجرا.
أنبأنا أبو بكر محمّد بن عبيد الله بن نصر المخلد ، أنا عبد الله بن أبي أحمد بن عبيد الله السكري ، أنا أحمد بن محمّد بن موسى الأهوازي ، نا حمزة بن القاسم الهاشمي ، نا حنبل بن إسحاق ، نا محمّد بن يزيد بن خنيس (١) قال : قال سفيان بن عيينة :
دخل ابن الأهتم على عمر بن عبد العزيز فقال له : أطربك؟ قال : لا ، قال : أفأعظك؟ قال : نعم ، قال : فافتح الباب وأدخل الناس ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
إن الله تعالى خلق الخلق ، غنيا عن طاعتهم ، آمنا معصيتهم أن ينقصه قال : فالناس يومئذ في الحالات والمنازل مختلفون ، فالعرب منهم بأشرّ تلك الحال ـ أهل الوبر (٢) والشعر ، وأهل الحجر ـ لا يتلون كتابا ولا يصلّون ، جماعة منهم في النار ، وحيهم أعمى بشرّ حال ، مع الذي لا يحصى من عيشهم المزهود فيه والمرغوب عنه ، فلما أراد الله أن ينشر فيهم حكمته ، بعث فيهم رسلا (٣) من أنفسهم (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٤) ، فبلّغ محمّد رسالة ربه ونصح لأمّته ، وجاهد في الله حقّ جهاده ، حتى أتاه اليقين ، ثم ولي أبو بكر من بعده ، فارتدّ عليه العرب ـ أو من ارتدّ منها ـ فحرصوا أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة ، فأبى أبو بكر أن يقبل منهم إلّا ما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قابلا منهم لو كان حيا ، فلم يزل يحرق أوصالهم ويسقي الأرض من دمائهم حتى أدخلهم من الباب الذي خرجوا منه ، وقرّرهم على الأمر الذي نفروا منه ، وأوقد في الحرب شعلها ، وحمل أهل الحق على رقاب أهل الباطل ، ثم حضرته الوفاة وقد أصاب من فيء المسلمين شيئا (٥) لقوحا كان يرتضح من لبنها ، وبكرا كان يروي عليه أهله [الماء](٦) ، وحبشية كانت ترضع ابنا له ، فلم يزل ذلك غصة في حلقه ، وثقلا
__________________
(١) في سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص ١٦٠ «حنديس».
(٢) عن سيرة ابن الجوزي ، وبالأصل : الوتر.
(٣) كذا ، وفي ابن الجوزي : «رسولا» وهو أشبه.
(٤) سورة التوبة ، الآية : ١٢٨.
(٥) سيرة ابن الجوزي : سنا.
(٦) زيادة عن سيرة ابن الجوزي.