الحديث حرفة المفاليس ، كان صاحب تجارة تزل (١) تجارته حين يذهب ، وإن كان صاحب ضيعة نزل ضيعته حتى تخرب ، حتى إذا بلغ ما يريد وبلغ سبعين سنة جاءه صبيّان فقعدا بين يديه ، فإن كان الشيخ ذكيا قالا : ما أكيسه وهو على حداثة سنّه إن قيل له كيس غضب ، وإن كان الشيخ مغفلا قالا : ما يحسن قراءة كتابه.
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ إذنا ومناولة ، وقرأ عليّ إسناده ـ أنا أبو علي محمّد بن الحسين ، أنا المعافي بن زكريا (٢) ، قال : نا يعقوب بن محمّد بن صالح الكريزي ، نا عبد الجليل بن الحسين ، قال : كان مما يعرف من أحمد بن المعذّل (٣) وهو صبي له ذؤابة في مجلس أبي عاصم ومر لأبي عاصم حديث ـ يعني فيه فقه (٤) ـ فقال أحمد : إنّه إنّما ألقح إلينا عن مالك بن أنس في هذا الحديث ، فسمعه أبو عاصم فقال : لا زرعك الله قال : فخجل أحمد ، فلما كان المجلس الثاني مرّ لأبي عاصم حديث فيه فقه فقال : أين أنت يا منقوص؟ أنس ألقح إليكم عن مالك قال : فخجل أحمد ثم وثب ، فقال : يا أبا عاصم إن الله تعالى خلقك جدّا فلا تهزلنّ (٥) فإن الله عزوجل سمى المستهزئين (٦) في كتابه جاهلا ، فقال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ، قالُوا : أَتَتَّخِذُنا هُزُواً ، قالَ : أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)(٧) ، قال : فخجل أبو عاصم ، فكان لا يحدّث حتى يحضر أحمد فيقعده إلى جنبه.
قرأت على أبي الفتح نصر الله بن محمّد ، عن أبي الحسين المبارك بن عبد الجبّار ، أنا أبو محمّد الجوهري ـ قراءة ـ عن أبي عمر بن حيّوية ، أنا محمّد بن القاسم بن جعفر ، نا إبراهيم بن الجنيد قال : سمعت يحيى بن معين يقول : أبو عاصم ـ يعني النّبيل ـ لم يكن فصيحا ـ يعني لم يكن يعرب (٨) ـ.
__________________
(١) كذا رسمها بالأصل.
(٢) الخبر في الجليس الصالح الكافي ١ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤.
(٣) بالأصل : المعدل ، والصواب ما أثبت بالذال المعجمة ، وهو أحمد بن المعذل بن غيلان ، شاعر ، (الأغاني ١٢ / ٥٤).
(٤) بالأصل : ثقة ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٥) بالأصل : «جدلا نهوبن» صوبنا العبارة عن الجليس الصالح.
(٦) كذا بالأصل ، وفي الجليس الصالح : «المستهزئ» وهو أصح.
(٧) سورة البقرة ، الآية : ٦٧ وبالأصل : اتخذنا.
(٨) تاريخ الإسلام حوادث سنة ٢١١ ـ ٢٢٠ ص ١٩٣.